المحطة الخامسة: مفاوضات السلام .... مؤتمر مدريد ، اتفاق أوسلو

الحوار مع واشنطن
رغم كل ما قدمه عرفات، واصلت واشنطن ضغوطها عليه فرفضت منحه تأشيرة دخول إلى نيويورك حيث كان يعتزم مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فقامت الجمعية العامة في خطوة غير مسبوقة بنقل اجتماعاتها إلى مقرها الآخر في جنيف للاستماع إلى كلمة عرفات.
و في 13كانون الأول/ديسمبر 1988 اجتمع ممثلو159دولة عضو في الأمم المتحدة ـ بينهم 50 وزير خارجية ـ في جنيف واستمعواإلى ياسرعرفت لنحو ساعة ونصف عن مبادىءخطة السلام الفلسطينية والمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط،.واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين الأول حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية بأغلبية 138صوتا مقابل صوتين هما إسرائيل والولايات المتحدة ،والثاني يقرإعلان الاستقلال الفلسطيني،وغيرت تسمية منظمة التحرير الفلسطينية في هيئاتها إلى فلسطين.
وعقد عرفات في اليوم التالي مؤتمرا صحافيا في جنيف ليوضح فيه قبوله بنقاط ثلاث طلبها وزير الخارجية الاميركي جورج شولتزمن الفلسطينيين بواسطة وزيرالخارجية السويدي ستين اندرسون في وثيقة سرية مفادها"إن الولايات المتحدة تلتزم بفتح حوار مع منظمة التحرير الفلسطينيةإذا أعلن عرفات بوضوح تام الموافقة على القرار 242وعلى حق إسرائيل في الوجود،وعلى نبذ الإرهاب.وفعلا بدأ الحوار الأميركي ـ الفلسطيني بعد ذلك. ومع إعلان الرئيس الأميركي رونالد ريغان أن مثل هذا الحوار يشكل خطوة مهمة في عملية السلام ،اعتبر عرفات أنه حقق نصف انتصار.
انتخب المجلس المركزي ياسرعرفات كأول رئيس لدولة فلسطين في نيسان/أبريل1989.
وتابع عرفات هجوم السلام الذي يشنه على إسرائيل، لكن رئيس وزرائها اسحق شامير بقي على تعنته ورفض إجراء أي حوار مع المنظمة .وحتى عندما قال عرفات كلمته الشهيرة "كادوك" أي"عفا عليه الزمن "عن الميثاق الوطني الفلسطيني يوم 2أيار/مايو 1989 في باريس أثناء أول زيارة يقوم بها عرفات لدولة غربية من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ،عبر شامير عن انزعاجه قائلا " يجب أن يختفي ياسرعرفات من الساحة السياسية،كل ما أريد معرفته هو متى سيغادرها؟"
ولكن عرفات لم يغادر الساحة السياسية ، بل على العكس، زاد من النشاط السياسي الفلسطيني وضاعف بنفسه ومن خلال مساعديه من الاتصالات مع الإسرائيليين المؤيدين للحقوق الفلسطينية والمصنفين ضمن معسكر السلام .
واستمر الحوار الاميركي ـ الفلسطيني وعقدت في إطاره عدة جلسات و لكن الحوار توقف في وقت لاحق عندما طلبت واشنطن من عرفات عزل محد أحمد فهد "أبو العباس"زعيم جبهة التحرير الفلسطينية من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الأمر الذي رفضه عرفات.وقد جاء الطلب الأميركي على خلفية قضية اختطاف السفينة "أكيلي لاورو " ومقتل مواطن اميركي على متنهافي العام 1985.
وفي هذه المرحلة دخل عنصر جديدعلى حياة الرجل الذي كرس عمره لقضية وطنه وشعبه،ففي 17/7/1990 تزوج ياسرعرفات من سهى الطويل في مراسم على نطاق ضيق جدا في تونس.
وجاءت التطورات الإقليمية لتضغط على ياسرعرفات ولتاخذ منه كثيرا من الوقت والجهد ..فبعد غزو العراق للكويت في الثاني من آب/أغسطس1990 حاول عرفات التوسط والوصول إلى حل عربي يمنع تدهورا اضافيا في الموقف ولكن دون جدوى .وجد عرفات نفسه في موقف صعب لايحسد عليه.
وفي ليلة الرابع عشر من كانون الثاني/يناير1991وبينما كانت أنظار الجميع تتجه نحو منطقة الخليج العربي حيث بدأ العد العكسي للهجوم الأميركي على العراق،تلقى عرفات ضربة صاعقة أخرى.. وصله نبأاغتيال صلاح خلف "أبو إياد" الرجل الثاني في فتح وذلك في عملية نفذها الموساد الإسرائيلي في قرطاج بتونس بواسطة منظمة "أبو نضال .واغتيل معه هايل عبد الحميد "أبو الهول" عضو اللجنة المركزية لـ"فتح"، وفخري العمري أحد معاوني" أبو إياد"..لقد خسرعرفات أحد اقرب معاونيه وصديقا عزيزا على قلبه .وجاء الاغتيال في وقت عصيب فقد كان الجميع منشغلا بمايحدث في الكويت.
مؤتمر مدريد
مع انتهاء حرب الخليج في 1991أصبح الوضع صعبا واعتبر عرفات أن الأمة العربية هي الخاسرة وأن إسرائيل هي الرابحة بعد هزيمة العراق وتدميرالكويت وانهيار النظام العربي،والذي جاء متزامنا مع انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتلراكية، دفع عرفات والفلسطينيون ثمن ما رأه الكثيرون وقوفا إلى جانب العراق.
وجاءت صيغة المشاركة في المؤتمرالدولي للسلام على حساب الفلسطينيين.اضطرعرفات وبموافقة المجلس الوطني الفلسطيني في دورته العشرين في أيلول/تموز1991في الجزائرإلى قبول صيغة المشاركة الفلسطينية ضمن وفد أردني ـ فلسطيني مشترك يشارك فيه فلسطينيون من سكان الأرض المحتلة مع استثناء سكان القدس.
واعتبرعرفات أن أحد أحلامه يتحقق عندما افتتح العاهل الاسباني الملك خوان كارلوس "مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط"في 20تشرين الثاني/نوفمبر1991 بمشاركة الفلسطينييين برعاية الرئيسين الأميركي جورج بوش "الأب" و السوفييتي ميخائيل غورباتشوف.صحيح أن منظمة التحرير استبعدت من المشاركة بشكل مباشر فيه إلا أنها كانت المرة الأولى منذ العام 1948 التي يكون فيها الفلسطينيون شركاء في المفاوضات مع إسرائيل.
شارك الفلسطينيون ضمن وفد أردني ـ فلسطيني مشترك .وكان عرفات الغائب الأكبرعن المؤتمرلكنه كان حاضرا من خلال الوفد الفلسطيني الذي اختار هو أعضاءه. وبالنسبة له كان عرفات يعتبرأن الوفد الفلسطيني يمثل منظمة التحرير.. كانوا يتلقون التعليمات منه من مقره في تونس وكان يقول"لن يتم شيء بدون موافقتنا".
وبعد مؤتمر مدريد انتقلت المفاوضات بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأردني الفلسطيني المشترك إلى واشنطن.
سقوط طائرة الرئيس ..
بعد زيارة للسودان تحادث خلالها مع الرئيس عمرحسن البشير، وتفقّده الوحدات العسكرية الـمتمركزة بعيدا عن العاصمة ،غادر عرفات مطار الخرطوم يوم الثلاثاء 7 نيسان/أبريل 1992، على متن طائرة قديمة روسية الصنع ، طاقمها مكون من طيارَين فلسطينيين وميكانيكي روماني، ومعه عشرة من حرسه الشخصي وبعض معاونيه، متجهين إلى تونس.كان من الـمقرر أن تهبط الطائرة للتزود بالوقود في مهبط واحة كفره، جنوب شرقي ليبيا. غير أن انعدام الرؤية وشدة الزوابع الرملية اضطرهم إلى تعديل خطتهم. بعد الإقلاع بساعة وأربعين دقيقة، التقط برج الـمراقبة في العاصمة الليبية الرسالة التالية :الرحلة الخاصة الخرطوم- تونس لا تستطيع الهبوط. نواصل طريقنا إلى الساره، نحاول الهبوط االاضطراري. بعدها بخمس دقائق، اختفت الطائرة عن شاشات الرادار الليبية. انقطع الاتصال اللاسلكي معها..أعلنت حالة الطوارئ. وعلى الفور، تناقلت وكالات الأنباء العالميةالكبرى خبرا مفاده: طائرة عرفات اختفت وسط الصحراء الليبية. وساد الاعتقاد لنحو خمس عشرة ساعة بأن الطائرة تحطمت وأن عرفات قد مات.
حين ثارت العاصفة الرملية العاتية،انتقل عرفات إلى مقصورة القيادة. ولـما قرر الطياران الهبوط الاضطراري، طلبا منه أن يعود إلى مؤخر الطائرة، فعاد، وارتدى بزته العسكرية، رغبة منه في أن يكون بثيابه العسكرية إذا لقي حتفه في الحادث. صلّى، وردد الركاب من ورائه آيات من القرآن، ومنها الآية :قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
روى عرفات فيما بعد أنه في لحظة اصطدام الطائرة بالأرض رأى أبا جهاد وأبا إياد، وأكد أحد حراسه أنه سمعه يقول: أبو جهاد، أنا قادم .. وظل الطياران والـميكانيكي في مقصورة القيادة، مع أن أنظمة الطيران الدولية تنص على أنه في حالة الخطر، يتعين على أحد الطيارَين أن ينتقل إلى مؤخرة الطائرة للاحتماء. لـم يقبل أحد من الأشخاص الثلاثة الـموجودين في مقصورة القيادة مغادرة موقعه، وراح كل واحد منهم يبذل قصارى جهده من أجل إنقاذ قائد الشعب الفلسطيني والركاب الآخرين.
اصطدمت الطائرة أخيرا بكثيب رملي. قذف عرفات لـمسافة ثلاثين مترا، وسط رمال الصحراء الليبية . كان جميع الركاب جرحى، ولكنهم أحياء ما عدا الطيارَين والـميكانيكي .
كانت الحقائب متناثرة ومدفونة في الرمال، وبمعجزة عثر الناجون على حقيبة يد عرفات، حيث توجد الأسرار الأشد حساسية لـمنظمة التحرير الفلسطينية...
في ساعات الفجر الأولى،وبعد اتصالات واسعة ومعلومات اميركية قدمتها واشنطن إثر اتصالات أجراها مندوب فلسطين لدى الامم المتحدة الدكتور ناصر القدوة ، اكتشفت فرق الاستطلاع الجوي الـمؤلفة من طائرات ليبية ومصرية وفرنسية (قدمت من تشاد) مكان الحادث، وما لبثت فرق البحث الفلسطينية التي انطلقت من معسكر الساره أن وصلت. وهكذا أُنقذ الناجون، وأرسل عرفات إلى الجميع رسالة تضمنت جملة واحدة : أشكركم، أنا بخير، الحمد لله. أبو عمار. وعند الساعة العاشرة من صباح الأربعاء، انتشر الخبر: تم العثور على عرفات حيا في جنوب ليبيا، على بعد 70 كلـم من الساره مع حطام طائرته.
تلقى الفلسطينيون جميعهم الخبر بفرح شديد ، وحتى الـمناهضون لعرفات أعربوا عن سعادتهم بنجاته،ومن ذلك مثلا رد فعل منظمة أحمد جبريل ( الجبهة الشعبية- القيادة العامة)المناهضة لعرفات والتي بعثت إلى عرفات برسالة تهنئة قالت فيها : " الخاتمة السعيدة لهذه الـمأساة قد جنبت الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني كارثة وطنية - أبعدها الله عنا- لا يعرف عواقبها أحد .."
في طرابلس، ثم في تونس، التي ما لبث أن عاد إليها متعافيا تماما، تدفقت مظاهرات التعاطف التي قدمت من كافة أنحاء العالـم، فقط في دمشق لـم تقدم الصحافة السورية إلا تقريرا مقتضبا عما حدث.
كان الحادث مناسبة لكي يُطرح لأول مرة السؤال التالي : من سيخلف عرفات إذا اقتضت الضرورة؟ أما عرفات، فقد اكتفى بتصريح قال فيه أنه لـم يكن من الصعب، لو لقي حتفه في الحادث، اختيار بديل له من منظمة التحرير.
عاد عرفات إلى ممارسة نشاطاته العادية بسرعة، في تونس أولا ثم في الخارج. فالتقى بالـملك حسين في عمان، وتباحث معه حول عملية السلام وحرب الخليج، حيث وجدا نفسيهما مرة أخرى في معسكر واحد. شكرعرفات العاهل الأردني لـما أبداه من اهتمام دائم بعد حادث الطائرة: لقد خرجت من هذا الحادث سالـما بمعجزة، وأنا الآن معافى ومستعد لـمواصلة معركتي من أجل فلسطين.
و في عمان في الأول من حزيران/يونيو 1992 وبطلب من الطبيب أشرف الكردي تمكن الملك حسين من إقناع ياسرعرفات بإجراء فحص طبي بعد أن كان عرفات قد اشتكى من ألم حاد في الرأس واصطحبه الملك في سيارته الخاصة إلى مركزالـملك حسين الطبي، حيث أجرى عرفات أخيرا الـمسح الإشعاعي، الذي أظهر وجود كتلة دم متجمدة تحت عظم الجمجمة تهدد بالضغط على نقاط حيوية في الدماغ. وهكذا اضطر عرفات إلى إجراء عملية جراحية بعد ذلك بساعات .
لـم تكن الحالة الصحية لعرفات قبل حادث الطائرة تثير أي قلق خاص، لم يكن ملفه الطبي يتضمن شيئا يستحق الذكر. كان من الـمدهش، بحسب الأطباء، أن تظل صحته جيدة طوال هذا الوقت، بالنظر إلى طبيعة مهامه ومسؤولياته الكبيرة وأسفاره العديدة .
وأكد أخصائي قلب معروف يعمل في الـمركز الطبي الذي أجريت فيه العملية أن قلب عرفات يعمل على نحو مرض، ومن حسن حظه أنه لا يدخن. لـم يكن يعاني لا من ضغط الدم ولا من السكري، ومستوى الكوليسترول لدية غير مرتفع إلا قليلا. لهذا السبب لـم يكن أحد يخشى من حدوث مضاعفات خاصة بسبب إجراء العملية.
اتفاق أوسلو
في الثامن من حزيران/يونيو1992 وأمام عدسات الكاميرات وأعين الصحافيين، استقبل عرفات في عمان أعضاء الوفد الفلسطيني لـمباحثات واشنطن مسجلا بذلك نصرا عظيما.
لـم يتأخر الرد الأميركي،وأعلن الناطق بلسان الخارجية في اليوم التالي أن : منظمة التحرير ليست جزءاً من عملية السلام التي بدأناها. وإننا نشعربالقلق من اللقاء الذي جرى بين ياسرعرفات والوفد الفلسطيني، وقد اطلعنا الجانب الفلسطينيى على ما نشعر به. شجبت إسرائيل بدورها ما اعتبرته محاولة استفزاز، وأعلن رئيس الوزراء الجديد اسحق رابين أن: هذا اللقاء يتناقض مع الالتزامات التي قطعها الفلسطينيون ومع الاتفاقيات التي عقدت مع عرّابي عملية السلام.و سوف تتخذ الإجراءات القضائية اللازمة بحق الذين التقوا عرفات .
أما عرفات فقال وهو يبتسم : بلقائنا، نحن لـم نفعل سوى أن وضعنا النقاط على الحروف!
راوحت مفاوضات واشنطن في مكانها، بينما تواصل الاستيطان الإسرائيلي على قدم وساق. ما الذي كانت تعنيه عملية السلام بالنسبة لإسرائيل؟ كان الوفد الإسرائيلي يقوده الـمتصلب إلياكيم روبنشتاين، وهو سكرتير سابق لشامير، الذي لـم يكن يعتزم التنازل عن شيء. في الجولة الرابعة لـمحادثات واشنطن، هدد رئيس الوفد الفسطين حيدر عبد الشافي بقطع الـمفاوضات إن لـم يصدر قرار بتجميد الاستيطان في الأراضي الـمحتلة، وهو ما يرفضه الإسرائيليون قطعا. وبرغم ضغوطات عرفات، الحريص على مواصلة الـمباحثات، أعلن عبد الشافي انسحابه أثناء الجلسة السابعة، في تشرين الأول/أكتوبر 1992، غير أن ضغوط عرفات والـمظاهرات التي تجمعت أمام بيته حملته على التراجع عن قراره والعودة إلى قاعة الـمؤتمرات.
وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 1992 زار الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران إسرائيل وقال أمام قادتها وفي مؤتمر صحافي :منظمة التحرير الفلسطينية هي الـمحاور الوحيد الـممكن ،واستنادا إلى الاتصالات القليلة التي أجريتها مع فلسطينيين آخرين، خلصت إلى أنه لا توجد قوة حقيقية غير "م .ت .ف" تلوح في الأفق السياسي، حتى إشعار آخر. طالـما تتجاهل إسرائيل" م .ت .ف"، لن تكون هنالك مفاوضات مثمرة مع الفلسطينيين.. أظن أن ثمة دولة فلسطينية قد اعترفت بها الأمم الـمتحدة حين تأسست دولة إسرائيل. إحدى هاتين الدولتين تم انشاؤها بقوة وشجاعة، نعم الأمر. أما الدولة الأخرى فظلت معطلة. يبدو لي أن من الصعب أوّلا أن يعيش شعب بلا وطن، ثم أن يعيش شعب في وطنه بدون مؤسسات وهياكل خاصة به تؤدي طبيعيا إلى تشكيل دولة.
في تلك الأثناء، كانت تسود الجانبَ الفلسطيني حالة من السخط الـمتزايد بسبب ركود الـمفاوضات. فطالب قسم من الـمعارضة ومعهم أعضاء من "فتح"، بوضع حد لهذه الـمباحثات العقيمة. وما لبثت أن صدرت عريضة وقع عليها أكثر من ثلث أعضاء الـمجلس الوطني الفلسطيني تطالب بوقف الـمفاوضات إلى أن تتم الـموافقة على اشتراك "م ت ف فيها" رسميا، وإلى أن يتم تجميد الاستيطان الإسرائيلي. و بلغ الاحتقان حدا قرر معه الـمجلس الثوري لـ "فتح"، عشية الدورة التاسعة للـمباحثات (أواخر نيسان/أبريل 1993)، وقف العملية. ومرة أخرى، هدد عرفات بالاستقالة وفرض عليهم التراجع، كان يخشى أن يتمكن الأميركيون والإسرائيليون من الانفراد بالوفد الفلسطيني وعزله تدريجيا، ما يشكل تهديدا للشعب الفلسطيني ولـ" م ت ف". لهذا السبب ظل عرفات متوخيا أقصى درجات الحذر، ينتبه لأقل تفصيل من تفاصيل الـمحادثات، ويقارن بين الـمعلومات ويربطها ببعضها البعض،خاصة انه كان قد سمح لعدد من مساعديه بفتح قناة محادثات سرية مع ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية ،وكان يتابع مساري التفاوض العلني في واشنطن والسري في العاصمة النرويجية أوسلو .
انتظر كل من عرفات وشريكه في القناة السرية للمفاوضات..رئيس وزراء إسرائيل اسحق رابين ، قبل دخولهما الشخصي في العملية ، ليتأكد كل منهما أن الآخر سيعطي موافقته على اقتراحات الـمفاوضين. وتأكد رابين من حقيقة لا تقبل التشكيك، وهي: استحالة الالتفاف على "م ت ف"، فهي التي تخوض الـمفاوضات السرية وهي التي تخوض الـمفاوضات العلنية، وهي وحدها، بقيادة عرفات، الضمانة لأية اتفاقية.
اقترحت إسرائيل في المفاوضات السرية تسليم" غزة أولا"..لكن عرفات أصرعلى "غزة ـ أريحا أولا" ليؤكد وحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة..الضفة الغربية وقطاع غزة .
كان عرفات قد وجه من مقره بتونس، يوم 21 كانون الثاني/ديسمبر 1992، رسالة هاتفية إلى الإسرائيليين نقلها التلفزيون الإسرائيلي، دعا فيها رئيس الوزراء اسحق رابين إلى " لقاء الشجعان من أجل إقامة سلام الشجعان، الذي سوف تنظر إليه الأجيال القادمة على أنه الركيزة الأولى لبناء السلام "، مؤكدا أيضا "على ضرورة القيام بمبادرات من كلا الطرفين لإقامة سلام حقيقي وثابت على هذه الأرض التي تعرضت لكثير من العذابات. إن مثل هذا اللقاء من شأنه أن يسرّع من عملية السلام.."
كان عرفات يفكر في كيفية حمل رابين على القبول بهذا اللقاء. فعمل عرفات في اتجاهين: بتسريع محادثات السلام من جهة، ولكن بتصعيد الانتفاضة أيضا... وهكذا دعا عرفات الفلسطينيين في الأراضي الـمحتلة إلى تصعيد الـمقاومة، وإلى "حرق الأرض تحت أقدام الـمحتلين".
في ربيع 1993، قدّم عرفات عن طريق الوفد الفلسطيني في واشنطن سلسلة من الـمطالب: ضم ممثلين رسميين عن" م ت ف " إلى الوفد، عودة الاتصالات الـمباشرة مع الولايات الـمتحدة، اعتراف إسرائيل رسميا بمنظمة التحرير الفلسطينية. وأشاع أيضا أنه لن يسمح بأي تقدم في محادثات واشنطن إن لـم تعالج مسألة السيادة الفلسطينية بوضوح في الاتفاقيات الـمرحلية. بالتوازي مع ذلك، قدم اقتراحا عن طريق الـمستشار النمساوي فرانز فرانيتسكي ينص على أن يقوم الـمندوبون الفلسطينيون والإسرائيليون، بمساعدة الأميركيين، بإبرام اتفاقية مبادئ حول الحكم الذاتي في الأراضي الـمحتلة.
أخيرا، وجه في حزيران/يونيو رسالة سرية مهمة إلى رابين أكد فيها أنه هو الوحيد القادر على حمل الفلسطينيين على عقد اتفاقية مع إسرائيل. وما لبث الوفدان المتفاوضان في أوسلو بعد ذلك أن تبادلا سرا مسودة الاتفاقية.
و في 20 آب/أغسطس1993، أبرمت اتفاقية أوسلو في جو من الغبطة، وعقب عرفات من تونس قائلا:"أشعر أن الدولة الفلسطينية ليست بعيدة..يجب أن ننظر إلى الـمستقبل بعين الأمل".
في أواخر الشهر نفسه ، أرسل الرئيس عرفات الوفد الفلسطيني إلى واشنطن، حيث افتتحت الجلسة الحادية عشرة للـمحادثات للتفاوض حول خيار " غزة ـ أريحا أولا "، وفقا للاتفاقيات.
وأطلع عرفات أعضاءَ اللجنة التنفيذية للمنظمة على مشروع إعلان مبادئ ينص على إقامة سلطة وطنية فلسطينية في الأراضي الـمحتلة خلال الفترة الإنتقالية، على أساس حق الشعب الفلسطيني في السيطرة على أرضه، وعلى موارده، وعلى مقدّراته الوطنية .
وفي 13أيلول/سبتمبر1993وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض بواشنطن" اتفاق أوسلو"بحضور الزعيم الفلسطيني.
وهاهوعرفات يعودإلى الولايات المتحدة لاول مرة منذ وقفته الشهيرة في الامم المتحدة في نيويورك قبل 19 سنة ،لكنه الآن ببزته العسكرية في البيت الابيض يصافح اسحق رابين رئيس وزراء العدو" ليصنع معه سلام الشجعان."
رأى عرفات في الحدث اعترافا بالشعب الفلسطيني وبحقوقه من الذين حاولوا شطبه من الوجود ..وهذا الاعتراف يتم برعاية بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأميركية ..القوة العظمى في العالم ،انها خطوة تمهيدية لاقامة دولة فلسطينية مستقلة تمارس سيادتهاعلى الضفة الغربية ( بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة .أما رابين فرأى فيه بداية تسوية لنزاع طويل وعسيرمع الفلسطينيين.كان عرفات مدركا تماما للثغرات في اتفاقية اوسلو ، لكنه كما قال"ما حصلنا عليه هو أقصى ما استطعنا الحصول عليه،وأقصى ما استطاعوا تقديمه لنا،وخلال أشهرستعود قيادة الشعب الفلسطيني إلى الوطن،وسيخفق العلم الفلسطيني على الارض الفلسطينية ..وسيكون لنا جواز سفر..لننظر إلى المستقبل" .
وها هو عرفات ..قائد الشعب الفلسطيني ورمز قضيته يدخل إلى البيت الأبيض من أوسع أبوابه، ويدخل أيضا إلى وسائل الإعلام الأميركية التي استغلها ببراعة. دعته كل الـمنابر التلفزيونية ليتحدث عن عملية السلام، وحتى عن أرئيل شارون، فحاز على اعجاب محاوريه وزادت شعبيته.
لقي الاتفاق معارضة وانتقادات من البعض في الساحة الفلسطينية لكنه لقي ترحيبا شعبييا واسعا في الضفة الغربية وقطاع عزة ،حتى بين اللاجئين في المخيمات داخل الوطن وفي الشتات لقي الإتفاق ترحيبا وأثار آمالا بإمكانية تغيير الواقع وبمستقبل أفضل.
وفي 12تشرين الأول/أكتوبر1993صادق المجلس المركزي الفلسطيني على الإتفاقيةبـ63صوتاومعارضة8وامتناع 9،كما صادق على تشكيل أول سلطة وطنية فلسطينية في التاريخ وهي التي ستتولى إدارة الأراضي المحتلة إلى أن تجري الانتخابات.

مواضيع مميزة

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

قراءة سياسية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية

ورشة عمل - الأحد 29/9/2019..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

محاضرة بعنوان : أسس وأساليب ومناهج البحث العلمي

رام الله: نظمت يوم أمس الثلاثاء الموافق 17/9/2019 دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني في مقر منظمة التحري..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

محاضرة بعنوان : الأبحاث الاعلامية

نظمت دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية يوم الثلاثاء 10-9-2019، في قاعة مبنى..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

منتدى غزة الحادي عشر للدراسات السياسية والإستراتيجية

عقدت دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني – المحافظات الجنوبية ، المنتدى السنوي الحادي عشر للدراسات الاستر..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

منظمة التحرير الفلسطينية

الفكرة - المسيرة - المستقبل..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

الوزير أبو النجا في زيارة تفقدية الى مقر دائرة العمل والتخطيط الفلسطينى

قام الوزير ابراهيم أبو النجا "ابووائل" بزيارة تفقدية الى مقر مبنى دائرة العمل والتخطيط الفلسطينى بغز..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

وفد من النضال الشعبى يتفقد مبنى دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

قام وفد من جبهة النضال الشعبى الفلسطينى بقطاع غزة بزيارة تفقدية الى مقر مبنى دائرة العمل والتخطيط ال..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

د. احمد مجدلاني يدين القصف الذي طال مبنى دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

د. احمد مجدلاني يدين القصف الذي طال هذا الصباح مبنى دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني احد دوائر منظمة ..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

دائرة العمل والتخطيط بمنظمة التحرير تناقش خطتها للمرحلة القادمة

ناقشت دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني بمنظمة التحرير الفلسطينية في اجتماع ترأسه رئيس الدائرة د. أحمد ..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

كتاب منتدى غزة العاشر للدراسات السياسية والاستراتيجية

كتاب منتدى غزة العاشر للدراسات السياسية والاستراتيجية المتغيرات المستقبلية في النهج السياسي الفلسطي..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

منتدى غزة العاشر للدراسات السياسية والإستراتيجية

منتدى غزة العاشر للدراسات السياسية والإستراتيجية تحت عنوان المتغيرات المستقبلية في النهج السياسي ال..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

قانون الجنسية الإسرائيلي ويهودية الدولة

ورشة عمل الثلاثاء 18/7/2017..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

تضامنا مع الأسرى

الحرية لأسرى الحرية..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

كتاب منتدى غزة التاسع للدراسات السياسية والاستراتيجية

كتاب منتدى غزة التاسع للدراسات السياسية والاستراتيجية القضية الفلسطينية في بيئة اقليمية متغيرة الت..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

منتدى غزة التاسع للدراسات السياسية والاستراتيجية

القضية الفلسطينية في بيئة اقليمية متغيرة التطورات والتداعيات..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

مركز التخطيط الفلسطيني و مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية يبحثان التعاون وتعزيز العلاقات

التقى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية احمد مجدلاني مدير مركز التخطيط الفلسطيني ، مع م..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

مجلة المركز عدد 45

مجلة دراسيـة فصليـة متخصصــة بالشؤون الفلسطينية وكل ما يتعلق بها،تصدر عن مركـز التخطيط الفلسطيني. ت..

الباحث : د. خالد شعبان

الدكتور خالد شعبان مشرفا لرسالة ماجستير في جامعة الازهر

مناقشة رسالة الباحث اكرم قشطة والتي عنوانها "سياسة دول مجلس التعاون الخليجي تجاه البرنامج النووي الا..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

منتدى غزة الثامن للدراسات السياسية والاستراتيجية - القسم الثاني

نحو كسب التأييد الدولي من اجل القضية الفلسطينية..

الباحث : دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

مشاركة مركز التخطيط الفسطيني في مؤتمر قطاع غزة الواقع وافاق المستقبل

مشاركة مركز التخطيط الفسطيني في مؤتمر قطاع غزة الواقع وافاق المستقبل الذي نظمته كلية الاداب - جامعة..

الأكثر إطلاعاً