منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

الصراع المائي بين الاسرائيليين والفلسطينيين رؤية إسرائيلية

 

 

الصراع المائي بين الاسرائيليين والفلسطينيين

رؤية إسرائيلية

 

المصدر: مركز بيغين- السادات للدراسات الاستراتيجية

الكاتب: حاييم غفرتسمان* جامعة بار إيلان

التاريخ: يناير 2012

أثير الكثير من الادعاءات القاسية ضد دولة إسرائيل على خلفية الصراع المائي مع الفلسطينيين. يدعي الفلسطينيون الملكية السياسية والقانونية على الخزان الجوفي للطبقات الصخرية بما فيها الأحواض الثلاثة الداخلية وهي الحوض الغربي والشرقي والشمالي. يدعون أيضاً أن لهم حقوق الحصول على المياه من الطبقات الصخرية الساحلية في قطاع غزة ونهر الأردن. من الناحية الكمية يصل حجم هذه المطالب إلى 400 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من الخزان الجوفي ونحو 100 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من المياه الجوفية في السهل الساحلي ونحو 200 مليون متر مكعب من نهر الأردن أي أن الإجمالي هو 700 مليون متر مكعب من المياه سنوياً وهذا يعادل أكثر من 50% من المياه الطبيعية المتاحة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. إضافة إلى ذلك يصر الفلسطينيون على أنهم يعانون من نقص المياه في قراهم ومدنهم بسبب الاحتلال الإسرائيلي ويسردون معايير دولية قانونية لتدعيم ادعاءاتهم.

إن الهدف من وراء إعداد هذه الورقة يتمثل في دراسة المحاججات الفلسطينية ضد إسرائيل عن طريق عرض معلومات مفصلة حول أنظمة توريد المياه التي تخدم الاسرائيليين والفلسطينيين حالياً. يجدر الإشارة إلى أن هذه البيانات كانت سرية سابقاً نظراً لحساسيتها السياسية أما الآن فقد نشرتها سلطة المياه الإسرائيلية لأول مرة بعد توقيع الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني المرحلي (أوسلو2) منذ 15 عاماً وقد أدرجت ضمن هذه الدراسة التي تتضمن خرائط جديدة وجداول ورسومات بيانية. تشير الدراسة إلى أن أغلب الادعاءات الفلسطينية لا تستند إلى أي أساس ومع ذلك فقد أوفت إسرائيل بكل تعهداتها وفق اتفاقيات المياه الموقعة مع السلطة الفلسطينية. حقيقة الأمر قد تتغير قضية شح المياه من قضية تثير الجدل والخلاف والتوتر إلى قضية تفاهم وتعاون فيما لو استعد الطرفين للبدء بالتخطيط لإنشاء مرافق مشتركة لتوريد المياه مستقبلاً.

يشكل التعاون الإسرائيلي – الفلسطيني القائم على الأبحاث الأكاديمية نقطة انطلاق جيدة لأن مثل هذا التعاون القائم أيضاً على التنمية المستدامة والتكنولوجيات المتقدمة يمكن أن يحل مشكلة العجز في المياه. تقدم هذه الورقة خططاً عملية للتغلب على مشكلة نقص المياه عند الطرفين.

مراحل تطوير أنظمة توريد المياه

يتناول هذا الفصل مراحل تطوير أنظمة توريد المياه في يهودا والسامرة والتي حلت أنظمة توريد المياه الحديثة خلالها محل الأنظمة القديمة وهذه المراحل تتمثل في مرحلة الانتداب البريطاني 1917-1948 ومرحلة الإدارة الأردنية 1948-1967 ومرحلة الإدارة الإسرائيلية 1967-1995 وما بعد عام 1995 التي طبق فيها الاتفاق الانتقالي بين إسرائيل والفلسطينيين وسيناقش على نحو منفصل في الفصل الثاني.

 

مرحلة الانتداب البريطاني 1917-1948

لا شك أن الأنظمة التقليدية القديمة لتوريد المياه التي أنشئت في المساكن والتجمعات السكنية منذ مئات بل آلاف السنين ظلت مستخدمة طيلة فترة الانتداب البريطاني وتشمل قنوات توصل ماء الينبوع إما بالشفط وإما بالصهاريج التي تجمع مياه الأمطار. هناك ثلاثة أنظمة ري كانت فاعلة على المنحدرات الشرقية لجبال يهودا والسامرة وهي قناة وادي القلط التي توفر ما مجموعه 3 مليون متر مكعب من المياه من عين الفرا وعين النوار وعين القلط إلى أريحا وقناة وادي العوجا تأتي بسبعة مليون متر مكعب من المياه من عين العوجا إلى وادي العوجا وقناة وادي الفارعة التي توفر 5 مليون متر مكعب من عين بدان ومن عين عسكا وعين شبلي إلى الجفتلك. هناك أيضاً نظامين رومانيين قديمين للاستهلاك المحلي كانا فاعلين في التلال العالية وهما قناة نابلس (2 مليون متر مكعب من راس العين وعين قروين وعين عسكل إلى سبسطية) وقناة القدس (مليون متر مكعب من منابع بيار والعروب).

فضلاً عن ذلك استخدم نحو 200 نبع صغير منتشرة على النطاق الجبلي كلها للاستهلاك المحلي (للمنازل بحمل أوعية المياه) وللزراعة بالمصاطب المائية الجبلية الفائضة. هناك أيضاً الكثير من آبار الجمع التي تجمع مياه الأمطار للاستخدام المنزلي وبالتالي توفر الينابيع والصهاريج نحو 5 مليون متر مكعب من المياه سنوياً في الأعوام التي تشهد غزارة  في الأمطار وأغلبها تكون جافة أثناء القحط. استخدم زمن الانتداب البريطاني اثنين من مرافق المياه التي تعمل على الطاقة الكهربائية تنقل المياه إلى القدس (من عين الفرا) وإلى رام الله (من عين سامية وعين كينيا وعين عاريك) وقد أنشئت بقدرة إجمالية تقدر بـ 2 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. وهكذا ومع نهاية فترة الانتداب البريطاني يكون أقصى حد في توريد المياه في جبال يهودا والسامرة قد بلغ 25 مليون متر مكعب سنوياً (في الأعوام التي تشهد غزارة في الأمطار).

الحكم الأردني 1949-1967

ظل نظام توريد المياه في يهودا والسامرة طيلة أغلب فترة الحكم الأردني على ما هو عليه دون تغيير. ومع ذلك دخلت عام 1965 تكنولوجيا حديثة للحفر حيث تم حفر 350 بئراً توفر نحو 41 مليون متر مكعب من المياه سنوياً علماً بأن أغلب هذه الآبار كانت قليلة العمق (10- 70 متر) مجهزة بأنابيب ضيقة القطر (5-12.7 سم) وتعمل بمحركات ضعيفة (5-50 حصان) لذلك فهي تضخ بنسب ضئيلة (10-70 متر مكعب في الساعة). بعض هذه الآبار كبيرة الحجم نسبياً لا سيما تلك التي حفرت في الفوار قرب الخليل وبيت فجار قرب بيت لحم ودير شرف قرب نابلس وبردلة بوادي الأردن. من الـ 41 مليون متر مكعب يضخ 19 مليون متر مكعب منها في غرب السامرة (قلقيلية، طولكرم، عنبتا) و5 مليون متر مكعب سنوياً في شمال السامرة (جنين، قباطية) وواحد مليون متر مكعب سنوياً في يهودا و16 مليون متر مكعب في وادي الأردن (أريحا، العوجا، الجفتلك، وبردلة).

وبسبب إضافة هذه الآبار إبان فترة الحكم الأردني، فقد بلغ أقصى كمية من توريد المياه في الأعوام الماطرة 66 مليون متر مكعب سنوياً أغلبها خصص للاستهلاك الزراعي. كان هناك 4 قرى ومدن فلسطينية فقط من أصل 708 مرتبطة بأنظمة حديثة لتوريد المياه حيث تمتعت بمياه جارية.

الإدارة الإسرائيلية 1967-1995

آخذة بعين الاعتبار الافتقار إلى المياه الجارية في أغلب المدن والقرى عام 1967 تولت الإدارة الإسرائيلية حفر آبار على عمق أكبر كما حفرت آبار واسعة بالقرب من أغلب المراكز السكانية الريفية الكبرى وربطتها بشبكة واسعة من الأنابيب وهذه الآبار الكبرى تمثلت في آبار دوتان قرب جنين وبيت إباد وحورون وتبوح قرب نابلس وسبع آبار في هورديون وشديما قرب بيت لحم. إضافة إلى ذلك ساعدت الإدارة الإسرائيلية بلدية نابلس في حفر بئري بيدان كما ساعدت بلدية رام الله في حفر بئري سامية . وهكذا شهدت الأعوام الخمسة الأولى من الإدارة الإسرائيلية زيادة بنحو 50 بالمائة أغلبها خصص للاستهلاك المحلي، أواخر السبعينات والثمانينات ومع إنشاء الكثير من المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة تم ربطها، أي المستوطنات، بمصلحة المياه القطرية عبر أنابيب طويلة تمر عبر السهل الساحلي. وبناء عليه فقط تم ربط المدن والقرى الفلسطينية الواقعة على امتداد هذه الأنابيب بالمياه الجارية ليتحسن مستوى معيشة هذه التجمعات السكنية بشكل ملحوظ. في الأعوام الواقعة ما بين عام 1967 و1995 (قبل توقيع توقيع الاتفاق المرحلي بين الاسرائيليين والفلسطينيين) زادت كمية المياه التي يزود بها الفلسطينيون في يهودا والسامرة من 66 إلى 120 مليون متر مكعب من المياه سنوياً مع العلم بأن هذه الكمية الإضافية خصصت للاستهلاك المنزلي وأثناء هذه الفترة زاد عدد القرى والمدن الفلسطينية المرتبطة بالمياه الجارية عبر أنظمة توريد حديثة من 4 إلى 309 تجمع سكني.

الاتفاقيات المائية بين الاسرائيليين والفلسطينيين

اتفاق غزة

تقرر كجزء من اتفاق أوسلو عام 1994، أن تنقل إسرائيل للفلسطينيين السيطرة على إمدادات المياه للفلسطينيين في غزة إلى السلطة الفلسطينية بما في ذلك المسؤولية عن الطبقات الصخرية المائية المحلية وعن آبار الضخ إضافة إلى المسؤولية أيضاً عن إدارة وتطوير وصيانة أنظمة المياه والمجاري. لم يتم استثناء إلا أنظمة المياه في المستوطنات الإسرائيلية (رغم أن المسؤولية عنها نقلت أيضاً إلى السلطة الفلسطينية عام 2005 بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة). اتفق أيضاً على أن تحول إسرائيل 5 مليون متر مكعب من المياه سنوياً إلى غزة بواسطة أنابيب.


الاتفاق المرحلي ليهودا والسامرة

أوضحت إسرائيل في اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة عام 1995 اعترافها بحقوق المياه الفلسطينية والتي ستحدد كميتها ضمن اتفاقيات الوضع النهائي مستقبلاً. اتفق الطرفان في الرأي على أن حاجات الفلسطينيين من المياه مستقبلاً ستتراوح ما بين 70-80 مليون متر مكعب من المياه سنوياً أي أكثر من الاستهلاك المائي الحالي (118 مليون متر مكعب سنوياً عام 1995) في الفترة الانتقالية سيزيد استهلال الفلسطينيين بنحو 18.6 مليون متر مكعب من المياه سنوياً (تشمل 5 مليون متر مكعب في قطاع غزة) أغلبها سيتم توريده من الحوض الجوفي الشرقي. اتفق أيضاً على أن يتم تطوير مصادر مياه جديدة ( كإعادة معالجة مياه المجاري وتحلية مياه البحر) وأن يتم أيضاً تنسيق إدارة مصادر المياه كما اتفق الطرفين على منع التلوث ومعالجة برك المجاري.

تنفيذ الاتفاق

من أجل تنفيذ الاتفاق المائي في يهودا والسامرة تقرر تشكيل لجنة مياه مشتركة بإشراف إسرائيلي- فلسطيني مشترك وفرق إنقاذ التي منحت تصريح التنقل بحرية في شتى أرجاء يهودا والسامرة. استمرت اللجنة بعملها طيلة 15 عاماً رغم ما شاب هذه الفترة من توترات وكانت تجتمع بانتظام للمصادقة على إنشاء أنظمة لتوريد المياه ومنشآت مائية. انبثق عن اللجنة أربع لجان فرعية أولها اللجنة المائية التي صادقت على حفر نحو 70 بئر انتاج جديد للفلسطينيين منها 22 بئر (شكل رقم 1) 50% منها حفرت فعلياً. صادقت هذه اللجنة أيضاً على تحديث 55 بئراً موجوداً (من نحو 500 بئر مرخص في يهودا والسامرة). الثانية اللجنة الهندسية التي صادقت مد أنابيب التوريد على طول مئات الكيلومترات (شكل رقم 2) وإنشاء عشرات حاويات التخزين ومحطات الضخ.

 

شكل (1)

 

 الثالثة لجنة المجاري التي تعرقل عملها لدواعي سياسية. ومع أن الدول المانحة تكفلت بتغطية جميع نفقات إنشاء معامل لمعالجة المياه العادمة في المدن الفلسطينية الكبرى، إلا أنه لم يتم إنشاء إلا معمل واحد لكل المدن الفلسطينية الكبرى وهو المعمل الذي أنشئ في البيرة أخيراً لجنة التثمين المكلفة بحل القضايا الجارية المتعلقة بالمدفوعات المستحقة على الفلسطينيين لإسرائيل.

 

شكل (2)

 

بعد توقيع الاتفاق المرحلي ظلت صيانة منشآت المياه الإسرائيلية بيد شركة المياه القطرية (مكروت) أما المسؤولية عن المنشآت الفلسطينية فقد جرى نقلها إلى السلطة الفلسطينية غير أن المنشآت التي تقوم بتوريد المياه للإسرائيليين والفلسطينيين معاً فقد ظلت من مسؤولية إسرائيل. ومع ذلك قررت حكومة إسرائيل آنذاك فصل المستوطنات الإسرائيلية عن الشبكات الفلسطينية وإعادة ربطها بالشبكات الإسرائيلية القريبة. تم إنجاز هذا المشروع على مدى أعوام عديدة كما تم إعادة تصنيف هذه المنشآت على أنها فلسطينية وسلمت للسلطة الفلسطينية. هذا الفصل وضع حداً لاعتماد المستوطنات الإسرائيلية على الإدارة الفلسطينية بيد أنه لم يؤدي إلى فصل تام بين التجمعات الفلسطينية والإسرائيلية. عوضاً عن ذلك ظلت الأنابيب التي تعود للأنظمة الإسرائيلية تضم توصيلات لقرى ومدن فلسطينية.

لقد جرى مراقبة الكميات الدقيقة من المياه الموزعة على المدن والقرى الفلسطينية كجزء من اتفاق أوسلو، وذلك باستخدام أمتار معيارية يرتكز عليها دفع الثمن الشهري طبقاً للنسبة المحددة بناء على الاتفاق (بروتوكول الأسعار). يدفع الثمن لحساب شركة ميكروت من قبل حكومة إسرائيل التي تخصمها من ضرائب الموانئ التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية.

استمر تطوير أنظمة المياه طوال الخمسة عشر عاماً الأخيرة ينفذ بوتيرة مكثفة في التجمعات السكنية الفلسطينية حتى بأكثر مما نص عليه الاتفاق المرحلي (انظر شكل 3).

نصت اتفاقية المياه على زيادة كمية المياه للفلسطينيين بـ 28.6 مليون متر مكعب من المياه سنوياً (منها 5 مليون متر مكعب من المياه سنوياً لقطاع غزة) إضافة إلى الكمية المستهلكة سابقاً سنوياً 118 مليون متر مكعب عام 1995. اتفق على زيادة كمية المياه الموردة للفلسطينيين أثناء الفترة المرحلية بـ 20%. عملياً زاد توريد المياه للفلسطينيين بنحو 50% (60 مليون متر مكعب سنوياً على 2006 بدون غزة) ليصل الحجم الكلي إلى 180 مليون متر مكعب سنوياً. إذا أخذ بعين الاعتبار حفر الآبار المصادق عليها تكون إسرائيل قد أوفت بكل ما تعهدت به.

 

شكل رقم 3

 

 

وكما ذكر سالفاً، لم يكن إلا أربع من أصل 708 مدينة وقرية فلسطينية مرتبطة بشبكة مياه جارية عام 1967 عندما سيطرت إسرائيل على يهودا والسامرة. وما أن جاء توقيع الاتفاق المرحلي عام 1995 حتى كانت 309 تجمع سكني مرتبطة بشبكة المياه (شكل رقم2) لم تتجاوز نسبة السكان الفلسطينيين غير المرتبطين بشبكة المياه عام 2000 أكثر من 19% بعدها بخمس سنوات. تقلصت النسبة إلى 10% فقط حسب بيانات تم جمعها من سلطة المياه الفلسطينية. في مارس آذار من عام 2010 تبين أن 641 مدينة وقرية فلسطينية من أصل 708 تضم أكثر من 96% من السكان الفلسطينيين مرتبطة بشبكة المياه الجارية أما حالياً فيتم إنشاء شبكات لتوريد المياه إلى 16 قرية إضافية تضم 2.5% من السكان. مقارنة بجيرانهم العرب يتمتع الفلسطينيون في يهودا والسامرة بمستوى أفضل من حيث خدمات المياه الجارية. في الأردن وسوريا على سبيل المثال، نجد أن أغلب المدن والقرى ليست مرتبطة حالياً بمعامل توريد المياه وحتى في المدن الكبرى المرتبطة فليس هناك توزيع منتظم وهذا الحال موجود حتى في العاصمتين عمان ودمشق اللتان يصل فيهما الماء مرة أو مرتين أسبوعياً.

حقيقة أن 96% من السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة يحصلون على المياه الجارية يومياً يضعهم في مكانة مرموقة مقارنة بأغلب الدول النامية في العالم. ومع ذلك، ورغم أن كثير من الانتقادات وجهت إلى إسرائيل على خلفية النسبة الضئيلة من التجمعات السكنية الفلسطينية التي ظلت بدون مياه جارية إلا أنه يجدر بهؤلاء النقاد مقارنة هذه الاحصائيات بتلك الموجودة في الدول العربية المجاورة كالأردن، عندها سيدركون أن أوضاع الفلسطينيين أفضل بكثير من أوضاع سكان في دول نامية أخرى.

انتهاك الفلسطينيين للاتفاق

إن استمرار الفلسطينيين في حفر الآبار بدون ترخيص في الطبقة الصخرية الجبلية المائية ليشكل انتهاكاً واضحاً للاتفاق (شكل رقم 4).تؤيد السلطة الفلسطينية مبادرات حفر الآبار الخاصة عن طريق ربط هذه الآبار غير المرخصة بشبكات الكهرباء وبحلول عام 2005 تم حفر 250 بئراً من هذه الآبار في يهودا والسامرة خصوصاً في الحوض الغربي قرب قلقيلية وطولكرم وفي الحوض الشمالي قرب جنين (شكل رقم 5) حيث توفر 10 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. وعلى هذا الأساس فإن استخراج إسرائيل للمياه الجوفية  من هذه الطبقات المائية الفرعية الثلاث تقلص بنفس الكمية كي تمنع المنضدة المائية الجوفية من الانزلاق أسفل المستوى المستدام والذي قد يخل بجودة المياه بسبب الملوحة.

شكل رقم 4

 

شكل رقم 5

 

 

إضافة إلى ذلك حدث في الكثير من الأحيان أن ربط الفلسطينيون أنابيبهم من أفرع تابعة لشركة المياه القطرية الإسرائيلية سرقة بدون ترخيص. فعلى سبيل المثال استخدمت المياه غير المرخصة في سعير والشيوخ لري الحقول الواقعة على طرف صحراء يهودا حيث بلغ حجم الاستهلاك في هذه المياه نحو 3 مليون متر مكعب سنوياً.


معدل استهلاك الفرد الفلسطيني من المياه

يدعى الفلسطينيون أن استهلاك الفرد الإسرائيلي من المياه يفوق بأربعة أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني بيد أن هذه الادعاء ليس له أساس من الصحة إطلاقاً. في عام 1967 صحيح كان هناك ثمة فجوة كبرى في معدل استهلاك الفرد بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهذا كان ناجم عن قدم أنظمة توريد المياه في يهودا والسامرة أيام الانتداب البريطاني ثم الحكم الأردني والتي بحاجة إلى تحديث. ومع ذلك تقلص حجم هذه الفجوة أثناء الإدارة الإسرائيلية والفرق الآن لا يكاد يذكر. عند تسليط الضوء على استهلاك المياه عند الاسرائيليين والفلسطينيين (جدول رقم1)، لم يتم دراسة إلا مصادر المياه العذبة والطبيعية التي يختلف عليها الآن. بالنسبة لمعالجة مياه المجاري وتحلية مياه البحر فهذه تأتي ضمن المصادر الصناعية التي يستطيع الجانبان انتاجها وهي ليست جزء من المياه العذبة والطبيعية.

جدول رقم 1

التغيرات التي شهدها استهلاك المياه عند الاسرائيليين والفلسطينيين على مدار 40 عاما

الفلسطينيون في يهودا والسامرة

اسرائيل

 

حصة الفرد من الاستهلاك (m3/y)

كمية المياه الطبيعية (MCM/Y)

السكان

حصة الفرد من الاستهلاك (m3/y)

كمية المياه الطبيعية (MCM/Y)

السكان

السنة

93

65

700,000

508

1,411

2,776,000

1967

129

180

1,400,000*

170

1,211

7,117,000

2006

 

في عام 1967 بلغ معدل استهلاك الفرد الإسرائيلي من المياه 508 كوب مكعب سنوياً بينما بلغ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني 93 كوب مكعب سنوياً غير أن فجوة عام 2006 سرعان ما تقلصت بشكل ملحوظ إلى 170 كوب مكعب سنوياً للإسرائيلي و129 كوب مكعب للفلسطيني (جدول رقم 1). يعود الهبوط الحاد في معدل استهلاك الفرد في إسرائيل من المياه الطبيعية والعذبة إلى أمرين وهما النقص الطبيعي في المياه الموجودة والزيادة الدراماتيكية في عدد السكان. في الوقت نفسه حدث هناك ارتفاعاً ملحوظاً في معدل استهلاك الفرد الفلسطيني من المياه الطبيعية والعذبة رغم الزيادة في عدد السكان وهذا ناجم عن التطور الدراماتيكي في أنظمة توريد المياه. استمرت هذه الاتجاهات طيلة عام 2006 بسبب حفر 15 بئراً جديداً للاستهلاك الفلسطيني والتي تنتج 15 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. يبلغ المعدل الحالي لاستهلاك الفرد 150 كوب مكعب للاستهلاك الإسرائيلي مقابل 140 كوب مكعب سنوياً للفلسطيني.

لاشك أن الزيادة الملحوظة في حصة الفرد الفلسطيني من المياه التي حدثت على مدار العقود القليلة الماضية لتشكل ظاهرة فريدة من نوعها. في الوقت الذي تشير فيه المؤشرات العالمية العامة على انخفاض في استهلاك الفرد من المياه على مر الزمن بسبب الزيادة المفرطة في عدد السكان وتردي مصادر المياه، إلا أن الفلسطينيين أظهروا عكس هذا الاتجاه وذلك يعود إلى زيادة مستوى حصولهم على المياه منذ عام 1967. إن إدعاء الفلسطينيين فيما يتعلق بالفجوة في حصة الفرد من استهلاك المياه نابع من التباين في الأعداد الرسمية للسكان الفلسطينيين الذين يعيشون في أراضي السلطة الفلسطينية. ذكر جهاز الإحصاء الفلسطيني عام 2004 أن عدد السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في يهودا والسامرة يبلغ 2.4 مليون نسمة بينما تقدر مجموعة الأبحاث الديمغرافية الأمريكية-الإسرائيلية عددهم بـ 1.4 مليون نسمة فقط والعدد الوارد في هذه الورقة (جدول رقم 1) يستند إلى أدلة قائمة على أساس هذين التقديرين. التباين الكبير بين أعداد جهاز الإحصاء الفلسطيني والمجموعة الديمغرافية الأمريكية-الإسرائيلية ناجم عن تعريفات مختلفة لمواطني (الأمر الواقع) استخدمتها المجموعتين. فعلى سبيل المثال تشمل احصائيات جهاز الإحصاء الفلسطيني 250 ألف شخص يعيشون في شرقي القدس و50 ألف شخص هاجروا إلى إسرائيل عبر برنامج الزواج وإعادة لم الشمل بينما لا تضم احصائيات المجموعة الأمريكية – الإسرائيلية أي من هؤلاء الأفراد لأنهم مواطنون اسرائيليون فعليون. وبما أن 400 ألف فلسطيني مرتبطون بنظام توريد المياه الإسرائيلي فهم إذن ضمن عدد السكان الاسرائيليين (7.1 مليون نسمة) وهذا مبين في جدول رقم 1 ولا يجب أن يعاد إحصائهم على أنهم سكان فلسطينيون. إضافة إلى ذلك زاد جهاز الإحصاء الفلسطيني العدد المفترض للسكان الأمر الواقع بـ 400 ألف نسمة وذلك عن طريق ضم أولئك الذين يعيشون في الخارج لسنوات طويلة بينما تستثني المجموعة الأمريكية-الإسرائيلية هذه الفئة من عملية الإحصاء. الواضح هو أنهم لا يستهلكون المياه من نظام توريد المياه الفلسطيني والتباين الباقي ناجم عن حسابات مختلفة وتنبؤات حول نسبة الوفيات والمواليد والهجرة. يجدر الإشارة إلى أن تقديرات المجموعة الأمريكية-الإسرائيلية للاحصاء تعتمد على بيانات واضحة دامغة وعلى قياسات فعلية حقيقية مثل تسجيل المواليد وسجلات الأطفال في المدارس وتقارير حول الدخول والخروج عبر نقاط الحدود. ولأن هذه الورقة تهدف إلى تقييم الاستهلاك الفلسطيني من المياه من أنظمة التوريد الفلسطينية، فقد تم تبني عدد الـ 1.4 مليون نسمة. للمقارنة فقد، فإن حصة الفرد الفلسطيني من استهلاك المياه الطبيعية والحلوة هو 140 كوب مكعب سنوياً والإسرائيلي 150 كوب وهي أقل مما هو موجود لدى جيرانهم في الشرق الأوسط مثل الأردن 172 كوب ومصر 732 كوب وسوريا 861 كوب ولبنان 949 كوب. تستطيع إسرائيل التغلب على هذا النقص عن طريق معالجة مياه المجاري التي تخصص للري الزراعي وتحلية مياه البحر للاستخدام المنزلي. ومع ذلك تستعمل المياه في كثير من الدول المجاورة بطريقة غير جيدة للري الزراعي الأمر الذي يؤدي إلى حدوث نقص حاد في مياه الشرق المنزلية في المدن والقرى.

 

 

 

جدول رقم (2)

الصنف

اسم المحطة

نقل سنوي

(مليون متر مكعب سنوياً)

التفاصيل

 

محطات إسرائيلية محلية

شمال السامرة

1

تشمل 0.5 للفلسطينيين

وسط السامرة

14

تشمل 6 للفلسطينيين (2 لنابلس و4 مباشرة)

غرب بنيامين

6

تشمل 2 للفلسطينيين

أطراف القدس

23

تشمل 16 للفلسطينيين (10 لرام الله و2 لبيت لحم و4 مباشرة)

عتصيون يهودا

20

تشمل 15 للفلسطينيين (11 لبيت لحم والخليل و4 مباشرة)

جنوب مرتفعات الخليل

1

تشمل 0.5 للفلسطينيين

المجموع الكلي

65

تشمل 40 للفلسطينيين (25 لمحطات محلية و15 مباشرة)

محطات إسرائيلية زراعية

محولا

7

تشمل 5 للفلسطينيين

وسط غور الأردن

21

تشمل 1 للفلسطينيين

ينابيع كين

1

 

المجموع الكلي

29

تشمل 6 للفلسطينيين

المحطات الفلسطينية الزراعية (مجموعة من الآبار والينابيع)

منطقة جنين

16

 

منطقة طولكرم

21

تشمل 8 للاستخدام المنزلي و13 للزراعة

منطقة قلقيلية

20

تشمل 5 للاستخدام المنزلي و15 للاستخدام الزراعي

الفارعة والجفتلك

21

 

العوجا

14

 

أريحا

15

4 للاستخدام المنزلي و11 للزراعي

 

المجموع الكلي

107

17 للاستخدام المنزلي و90 للزراعي

 


حصة الفرد من المياه المنزلية

في الوقت الذي يسلط فيه التحليل آنف الذكر الضوء على الكمية الإجمالية التي يستهلكها السكان، إلا أنه غالباً ما يحاجج البعض على أن معدل حصة الفرد من استهلاك المياه لابد أن يحسب بناء على الحاجات المنزلية من استثناء الحاجات الزراعية. بلغ حجم استهلاك الفرد الفلسطيني من المياه عام 2006 نحو 82 مليون متر مكعب سنوياً أو 58 كوب مكعب للمقارنة بلغ نصيب الفرد الإسرائيلي من استهلاك المياه المنزلية عام 2006   84 متر مكعب (من ضمنها 11 في المائة من المياه المتسربة). الفجوة في توريد المياه بين الاسرائيليين والفلسطينيين عام 2006 هي 84-58 متر مكعب سنوياً وهو تعكس التباين في مستوى المعيشة بين المجتمعين. أيضاً هذه الفجوات موجودة داخل إسرائيل نفسها في ضواحي القدس على سبيل المثال وضواحي تل أبيب حيث بلغ نصيب الفرد في استهلاك المياه في ضواحي القدس 65 متر مكعب وتل أبيب 115 متر مكعب عام 2006. حسب مصادر السلطة الفلسطينية فإن 33.6 في المائة من مياههم تتسرب من أنابيب داخلية وبسبب هذا التسرب الشديد فقد بلغ صافي حصة الفرد من استهلاك المياه عام 2006   55 مليون متر مكعب سنوياً أو 39 متر مكعب سنوياً. الأرقام المذكورة في إسرائيل عن التسرب هي 11%. مهما يكن من أمر فلا زال صافي استهلاك الفرد من المياه المنزلية الفلسطينية يفوق أدنى الحاجات الإنسانية حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية (100 لتر للفرد يومياً) أي 36.5 متر مكعب سنوياً علماً بأن هذه الكمية تفوق أبسط مستلزمات الحياة الطبيعية والتي حددها عالم البيئة بيتر غليك بـ 520 لتر يومياً للفرد الواحد.

أنظمة توريد المياه في يهودا والسامرة

بلغ حجم الاستهلاك الفلسطيني الكلي عام 2006 نحو 178 مليون متر مكعب سنوياً بما فيها 82 مليون متر مكعب للاستخدام الحضري و 96 للاستهلاك الزراعي. وزع الاستهلاك المنزلي بطريقتين: 42 مليون متر مكعب سنوياً بأنظمة فلسطينية ذاتية و40 مليون متر مكعب من معامل إسرائيلية. أيضاً الاستخدام الزراعي تم بطريقتين: 90 مليون متر مكعب بتوريد مباشر للفلسطينيين و6 مليون متر مكعب من معامل إسرائيلية علماً بأن هذه الأرقام لا تشمل الآبار غير المرخصة وتوصيلات يقوم بها الفلسطينيون بأنفسهم.

أنواع ومواقع معامل توريد المياه

يتضمن شكل رقم 6 وجدول رقم 2 تفاصيل معامل توريد المياه في يهودا والسامرة وأماكنها الجغرافية.

1-      المعامل الإسرائيلية المخصصة للاستهلاك المنزلي: شبكة أنابيب المياه هذه هي أفرع من ناقل المياه القطرية التي تجري على طول امتداد ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث يتم إدارتها وصيانتها من شركة ميكروت وهي تمد المستوطنات الإسرائيلية في يهودا والسامرة بالمياه وتمد كذلك القرى الفلسطينية المجاورة. هناك ثلاثة أنواع من هذه المعامل.

2-      المعامل الفلسطينية المخصصة للاستهلاك المنزلي: يتم إدارتها وصيانتها من قبل سلطة المياه الفلسطينية أو البلديات وهي تعتمد بالدرجة الأساس على الآبار والينابيع بيد أن هذه المعامل جرى توسيعها مؤخراً بمياه محولة من معامل إسرائيلية (50% من إجمالي كميتها الموردة) وهناك ثلاثة أنواع من هذه المعامل.

3-      المعامل الإسرائيلية المخصصة للأغراض الزراعية: تقع في وادي نهر الأردن وتقوم بتوريد المياه للمستوطنات الإسرائيلية والقرى الفلسطينية المجاورة حيث يتم إدارتها وصيانتها من قبل شركة ميكروت. وعلى خلاف معامل الاستهلاك المنزلي تعتمد هذه المعامل على الآبار المحلية وهناك ثلاثة أنواع منها.

4-      معامل المياه الفلسطينية المخصصة للاستهلاك الزراعي: هي أصلاً ليست معامل بحد ذاتها تضم أنظمة مدمجة (تضم محطات ضخ وأنابيب وصهاريج تخزين وأنظمة توزيع) لكنها عبارة عن تجميع لآبار وينابيع مستقبلة كل واحد منها يورد المياه إلى الحقول والمنازل المجاورة وتتركز هذه المعامل في ستة مواقع.

معامل المياه المنزلية

تمثل الأسهم والدوائر في شكل رقم 6 معامل توريد المياه. تتضمن هذه المعامل آبار مركبة ومحطات ضخ وأنابيب وصهاريج تخزين ومناطق ضغط وشبكات توزيع. تقوم هذه المعامل بتوريد المياه لعشرات أو لمئات الألوف من الناس يعيشون في عشرات التجمعات السكنية.

 

شكل رقم 6

 

شكل رقم 7 يبين التوزيع الجغرافي لمعملين لتوريد المياه معمل السامرة المركزي (باللون الأزرق) ومعمل نابلس الفلسطيني (باللون الأحمر) وتوصيلاتهما الداخلية. تقاس كمية المياه التي يتم نقلها من قبل شبكة ميكروت للسلطة الفلسطينية من خلال كل توصيلة شكل رقم 8 يبين التوزيع الجغرافي لثلاثة معامل إضافية وهي بنيامين الإسرائيلي الغربي وغلاف القدس ومعمل رام الله الفلسطيني وتوصيلاتها.

شكل رقم 9 يبين التوزيع الجغرافي لثلاثة معامل أخرى وهي عتصيون يهودا والسامرة وجبال جنوب الخليل والمعمل الفلسطيني في بيت لحم وتوصيلاتها.

 

 

شكل رقم 7

 

 

 

شكل رقم 8

 

شكل رقم 9

 

يظهر شكل رقم 10 الزيادة في كمية المياه الموردة من المعامل الإسرائيلية (ستة منزلية وثلاثة زراعية) في السنوات 1995-2010.

في عام 2010 وردت هذه المعامل 100.1 مليون متر مكعب، منها 52.7 مليون متر مكعب للمستهلكين الفلسطينيين و47.2 مليون متر مكعب سنوياً للإسرائيليين. بمعنى آخر 53% من المياه المحولة من المحطات الإسرائيلية تورد للفلسطينيين. زد على ذلك أن شركة ميكروت زادت أثناء هذه السنوات من المياه الحالية الموردة بنسبة 31%، من 76.6 مليون متر مكعب سنوياً إلى 100.1 مليون متر مكعب. تهدف هذه الإضافة إلى تلبية الحاجات الفلسطينية من المياه (من 28.0 مليون متر مكعب إلى 52.7 مليون مع أن الحاجات الإسرائيلية من المياه في نفس الفترة لم تتغير. هذه الأرقام لا تشمل المياه التي تضخ بشكل مستقل من قبل الفلسطينيين.

شكل رقم 10

 

تشير هذه البيانات إلى أن معدل تطوير البنية التحتية المائية الفلسطينية منذ توقيع اتفاقية أوسلو لم يكن كافي ولم تلبي حاجات الفلسطينيين من المياه إلا بإسناد إسرائيلي كبير. ورغم مساعدات الدول المانحة المقدمة للفلسطينيين في مجالس التخطيط والتمويل بما في ذلك المصادقة على 70 بئراً جديداً من قبل اللجنة المائية المشتركة، فلم ينجح الفلسطينيون في زيادة توريد المياه بأنفسهم وهذا يعود بالدرجة الأساس إلى سوء الإدارة والصيانة الخاطئة (على سبيل المثال انهيار عشرات مضخات المياه وأنظمة التحكم الكهربائية) وكذلك أخطاء هيدرولوجية (كحفر آبار قريبة من بعضها البعض في Herdion والتي بسبب جفافها الناجم تطور عمق الكوز المنخفض في الحوض المائي) ولسوء حسابات هندسية (كتداخل شبكات أنابيب المياه التي تبرع بها أمريكيون وألمان) وهذا ناجم أيضاً عن خطأ وظيفي لكلتيهما.

معامل مياه المجاري

على النقيض من التحسن الطفيف الذي شهدته منشآت توريد المياه، وهذا بفضل المساعدة الإسرائيلية الكبيرة، فلم يسجل أي تقدم ملحوظ أحرزه الفلسطينيون في مجال معالجة مياه المجاري. مياه المجاري الخام التي تتدفق من التجمعات السكنية الفلسطينية في يهودا والسامرة تنساب بحرية في كثير من القنوات. فعلى سبيل المثال أصبحت قناة الخليل التي تتدفق نحو وادي بئر السبع، قناة مياه عادمة ملوثة وبالتالي تعاني القرى والمستوطنات الإسرائيلية المجاورة من تلوث المياه والروائح الكريهة والذباب والبعوض. مثال آخر قناة نابلس التي تتدفق نحو السهل الساحلي وأصبحت قناة للمياه العادمة لنابلس وطولكرم هناك أيضاً قنوات أخرى (مثل كيشون وألكسندر وسود عين وكدرون أصبحت مستودعات للمياه العادمة. لاشك أن المياه العادمة تتسرب إلى المياه الجوفية عبر الطبقات الصخرية وهكذا تتردى جودتها وتلوث الأنهار المائية تحت الأرض (مثال على ذلك متسبي جريكون، ونعارات 2 وبيت فجار والعيزرية). أدى غياب معالجة المياه العادمة من قبل الفلسطينيين وتوسع شبكات توريد المياه إلى تلوث البيئة بشكل كبير.

تقدر كمية المياه التي يتخلص منها الفلسطينيون في الوقت الحالي بنحو 52 مليون متر مكعب سنوياً منها 4 مليون متر مكعب سنوياً يجري معالجتها في معامل فلسطينية ونحو 14 مليون متر مكعب تعالج في محطات إسرائيلية والباقي وهو 34 مليون متر مكعب تلوث المياه الجوفية والبيئة. عدا عن محطة معالجة المياه العادمة في البيرة لم يتم إنشاء أي معمل آخر طيلة الخمسة عشرة عاماً الأخيرة حتى أن هذه المحطة لا تتم صيانتها على النحو المطلوب ولا تستغل المياه المستخلصة منها للأغراض الزراعية كما هو مخطط لذلك بل على العكس يتم ضخ المياه إلى وادي القلط وبذلك يتلوث هذا الوادي. زد على ذلك أن الفلسطينيون وربما بسبب الإهمال سمحوا لمياه المجاري بالتدفق إلى الأراضي الإسرائيلية لتتلوث البيئة والطبقة الصخرية المشتركة. وفي تناقض صارخ يجري معالجة نحو 90% من المياه العادمة للمستوطنات. لم يطور الفلسطينيون مشاريع معالجة المياه العادمة رغم أن كثير من الدول وعلى رأسها ألمانيا واليابان والبنك الدولي أعربت عن رغبتها في تخصيص أموال كثيرة لإنشاء محطات حيوية كتلك. هذا مع أن برامج اللجنة المائية المشتركة المصادق عليها موجودة أصلاً لمعالجة المياه العادمة في نابلس وطولكرم وجنين وسلفيت ورام الله وكدرون والخليل ووسط قطاع غزة ومناطق أخرى غيرها.

النواحي القانونية للاتفاقيات المائية

شهد القانون الدولي الخاص بموارد المياه عبر الحدود تطوراً مرحلياً نشرت هيئة القانون الدولي عام 1996 قواعد هلنسكي المتعلقة باستخدامات مياه الأنهار الدولية التي تتناول بجلها موضوع الملاحة. في عام 1986 نشرت الهيئة المذكورة القانون المتعلق بالأغراض غير الملاحية لروافد المياه الدولية "لمعالجة استهلاك المياه السطحية". أخيراً في عام 2004 نشرت الهيئة قواعد برلين الخاصة بموارد المياه الجوفية. ومع أن هذه القواعد لا تشكل معاهدة دولية ملزمة، إلا أنها اعتبرت على نطاق واسع انعكاساً لمعايير القانون الدولي الشائع. إضافة إلى ذلك ينظم مؤتمر عام 1997 المتعلق "بالاستخدامات غير الملاحية للروافد المائية" الذي وضع مسودته مفوضية القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، حقوق وواجبات الدول المتشاطئة.

ورغم أن هذا المؤتمر لم يقر لغاية الآن (16 من أصل 35 دولة صادقت عليه) فقد اعتبرت محكمة الدول الدولية مبادرته الأساسية انعكاساً للقانون الشائع كما هو الحال بالنسبة لمشروع Gabcikovo-Nagymaros المجري- السلوفيكي. يجدر التنويه هنا إلى أنه ورغم أن قواعد الأمم المتحدة تنطبق على تقاسم موارد المياه السطحية فهي من ناحية أخرى لا تنطبق أبداً على المياه الجوفية.

اليوم هناك قاعدتين أساسيتين تعتبران شائعتين بالنسبة لاستخدام وتقاسم موارد المياه الدولية "مبدأ الاستخدام المتكافئ المعقول" ومبدأ "منع الضرر الكبير". تطبيق هذين المبدئين هو في غاية التعقيد بما أن لا قواعد هلسنكي- برلين ولا ميثاق الأمم المتحدة يوفر معادلة حسابية واضحة لتقاسم المياه. ومع ذلك فإنهما يعملان كمعيار دلالي يحل من خلاله أغلبية الخلافات المتعلقة بالمياه في شتى أرجاء العالم وهذه الحلول هي بالأساس عملية ولا تنحصر ضمن المبادئ القانونية "الجافة".

شموخ الاتفاق الموقع

وحيث أنه من الصعب تحديد المعايير المختلفة الواردة في القواعد القانونية الدولية، فقد اعتبرت الاتفاقيات الموقعة بين الدول ملزمة للأطراف ولا يمكن تجاوزها قانونياً وفق المبادئ القانونية الشائعة. وبناء على ذلك لا تترك الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أي مجال لمطالب فلسطينية أخرى. حددت هذه الاتفاقية الاحتياجات الفلسطينية المستقبلية بـ 70-80 مليون متر مكعب سنوياً إضافة إلى الـ 118 مليون متر مكعب المتاحة لهم من ذي قبل. وكما أشير في الفصول السابقة أوفت إسرائيل بتعهداتها فيما يخص توريد المياه ليس للفترة الانتقالية فحسب بل أيضاً لأي اتفاق نهائي حول الوضع الدائم. إن المطالب الفلسطينية الراهنة غير مبررة بناء على الأعراف القانونية الدولية وغير منطقية بنظر المقاييس القانونية الدولية المتعلقة بموارد المياه المتنازع عليها.

الخصائص الطبيعية للطبقة الصخرية الجوفية

تعتبر العوامل الجغرافية والهيدروجيولوجية من بين المقاييس التي ينبغي أن يقاس عليها تقاسم الموارد المائية. وبما أن الامتلاء الطبيعي للطبقة الصخرية الجوفية (بفعل هطول الأمطار) يحدث بالأساس في المنطقة التي هي أو ستكون جزءاً من أراضي السلطة الفلسطينية، إذن يدعي الفلسطينيون أن أغلب هذه المياه هي من ملكهم علماً بأن هذا الادعاء هو مجافاة للحقيقة القائلة بأن الخصائص الجغرافية والهيدرولوجية للطبقة الصخرية لا تتضمن مناطق الامتلاء فحسب بل أيضاً مناطق التفريغ. وكما هو مبين من خلال الشكل رقم 11 تستفرغ الطبقة الصخرية الجبلية من خلال ينابيع تقع غرب وشمال الخط الأخضر خصوصاً ينابيع اليركون (التي تجمع طبيعياً نحو 220 مليون متر مكعب سنوياً) إضافة إلى ينابيع تانينيم (التي تجمع 110 مليون متر مكعب في الحوض الغربي وينابيع هارود وبيت شآن) التي تجمع نحو 110 مليون متر مكعب سنوياً) في الحوض الشمالي. أيضاً مناطق لتخزين الطبقة الجوفية لا تقع تحت منطقة الامتلاء بل تحت مناطق التفريغ لأن المياه تتدفق شرقاً وغرباً بعيداً عن منطقة التخزين. (انظر شكل رقم 12)

 

 

شكل رقم 11

 

 

شكل رقم 12

 

الاستخدام التاريخي

حسب الأعراف القانونية الدولية يعتبر الاستخدام المائي (المنزلي والزراعي) مقياساً هاماً لتحديد الاستخدام المستقبلي لتقاسم موارد المياه لأن ذلك يعكس بشكل دقيق الحاجات الاستهلاكية الإنسانية وبناء على ذلك وبما أن إسرائيل ظلت تستغل أغلب مياه الطبقة الصخرية الجبلية قبل عام 1967 إذن يحق لها إدعاء الملكية التاريخية.

في بداية القرن العشرين كانت كل مياه الطبقة الصخرية الجبلية تصب في ينابيع اليركون وتانينيم لتخلق مستنقعات على طول امتداد السهل الساحلي. واليهود الذين كانوا يقطنون قبل إنشاء الدولية جففوا هذه المستنقعات واستخرجوا المياه من الينابيع في العشرينات والثلاثينات والأربعينات. نفس الشيء جففوا مستنقعات واقعة في وادي جزريل ووادي هارود وبيت شآن التي ينبع منها مياه الطبقة الصخرية الجوفية الشمالية. بعد مدة قصيرة من أعمال التطوير المتسارعة أصبح هذين الحوضين يستخدمان استخداماً كاملاً من قبل إسرائيل. وفي عام 1967 وعندما بسطت إسرائيل سيطرتها على يهودا والسامرة لم يحدث أي تغيير في استخدام المياه وهذا يشير إلى أن الاستخدام المائي التاريخي ليس له علاقة باستيلاء إسرائيل على المنطقة.

قبل عام 1967 استخدمت إسرائيل ما بين 340 إلى 360 مليون متر مكعب من المياه سنوياً والموجودة في الحوض الغربي للطبقة الصخرية الجبلية وكما استخدم الفلسطينيون 20 مليون متر مكعب سنوياً. أما بالنسبة للطبقة الصخرية الشمالية فقد استغلت إسرائيل 115 مليون متر مكعب من أصل 140 مليون متر مكعب بينما استخدم الفلسطينيون 25 مليون متر مكعب. من ناحية أخرى استخدم الفلسطينيون 25 مليون متر مكتب. استخدم الفلسطينيون تاريخياً كميه من مياه الطبقة الصخرية الشرقية أكبر من تلك التي استخدمها الاسرائيليون. الفلسطينيون استخدموا 65 مليون متر مكعب والاسرائيليون 35.

تتكون المياه الجوفية التي تضخها إسرائيل الآن من هذا الحوض من مياه تنساب إلى وادي الأردن أو البحر الميت (والتي أصبحت مالحة) ولا تستغل أبداً من قبل الفلسطينيين. من الأهمية بمكان التنويه إلى أهمية الطبقة الصخرية الجبلية بالنسبة لإسرائيل فهي تزود أكبر منطقتين وهما القدس وتل أبيب وضواحيها بالمياه إضافة إلى أهم المدن الواقعة على امتداد السهل الساحلي. أيضاً توفر المياه للمزارعين الاسرائيليين في السهل الساحلي في الأراضي المنخفضة والوديان الشمالية ووادي بئر السبع.

موارد المياه البديلة المتاحة

يضع القانون الدولي أولوية استخدام موارد المياه غير المستغلة قبل أولوية إعادة تخصيص الموارد المستغلة. عرضت إسرائيل على السلطة الفلسطينية حفر وتطوير موارد المياه والطبقة الصخرية الجبلية الشرقية وهو مصدر المياه الوحيد الواقع بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن وهو غير مستغل بالكامل.  السلطة من جانبها لا زالت تقوم بأعمال الحفر في الأحواض الشمالية والغربية وهذا لن يضر بجودة المياه بسبب الملوحة فحسب بل أيضاً يقلص فرص وصول إسرائيل إلى هذه الموارد.

المحافظة على المياه والاستخدام الكفء

لاشك أن التنمية المستدامة أصبحت تأخذ أهمية كبيرة على الصعيد العالمي. وبالنسبة لموارد المياه تولي التنمية المستدامة أهمية لاستخدام المياه بطريقة معقولة لضمان ديمومتها في المستقبل سواء من حيث الكمية أو من حيث الجودة. وانسجاماً مع هذا المبدأ، لابد أن تستند جميع برامج توريد المياه على الخطوط التالية: تقليص فقدان المياه، المحافظة عليها، معالجة المياه العادمة، منع التلوث مراقبة دائمة لضمان الإدارة الأمثل. طبقت إسرائيل جميع هذه الخطوات إضافة إلى أساليب أخرى كثيرة لضمان الاستخدام الأمثل والمسؤول والمستدام للمياه وهذا يتضمن التخزين الفصلي والمتعدد السنوات، تبني سياسات اتخاذ قرار الخط الأحمر بالنسبة لأصبع الجليل والطبقات الصخرية الأخرى الهامة، دراسة جميع موارد المياه لضمان الاعتماد على التوريد، معالجة وإعادة استخدام المياه العادمة وتحلية مياه البحر والمياه الجوفية المالحة، تنظيم تخصيص المياه، التسعير المتدرج بناءً على العوامل الاقتصادية والاجتماعية، ضريبة ضخ المياه المفروضة على الآبار الخاصة، الصيانة الجيدة للأنابيب، حوافز نقدية مقابل المحافظة على المياه، مؤسسات بلدية واستهلاكية لإدارة أنظمة توزيع خطوط الأنابيب،تدريب مهنيين ومبادرات بحثية.

على النقيض من ذلك، لا تدعم السلطة الفلسطينية مبادئ الاستدامة الأساسية ولم تتبنى أي من مبادئ الإدارة المسؤولة وفيما يلي جانب من أكثر الأمثلة تطرفاً: لم يركب أغلب المزارعين الفلسطينيين عدادات مياه على آبارهم ولا يراقبون كمية المياه التي يستخدمونها كما أن نصف المنازل في يهودا والسامرة تفتقر إلى عدادات مياه. وبناء على ذلك لا يدفع أغلب الفلسطينيون ثمن استهلاكهم للمياه لأن ليس للسلطة وسيلة تقصي ومراقبة هذا الاستخدام. ومع انعدام الحوافز المادية نظير المحافظة على المياه يظل السكان الفلسطينيون يهدرون هذا المصدر الثمين الأمر الذي يبعدهم ولا يقربهم من التنمية المستدامة. ولتفادي تكبد شركة ميكروت أي خسارة مالية، تقوم الحكومة الإسرائيلية بالتسديد الشهري للشركة. ومع ذلك لا يؤثر هذا التسديد على الأفراد الذين لا يراقبون استخدام المياه ولا يدفعون ثمن استهلاكهم. لذلك لا تتوفر هناك حوافز نظير الاسترشاد في المياه ومثل هذا التصرف يتعارض مع التنمية المستدامة. القانون الدولي ينص على عدم تبذير المياه ولكن وبناء على معطيات اللجنة المائية المشتركة يتراوح معدل التسرب المائي من أنظمة خطوط الأنابيب 33.6%. إضافة إلى ذلك كله فإن استخدام أنظمة ري بالإغمار بدلاً من الرشاشات والتنقيط كما يفعل المزارعون الاسرائيليون يسبب ضياع كمية كبيرة من المياه كما أن الافتقار إلى معالجة المياه العادمة عند الفلسطينيين (علماً بأن ذلك يشكل انتهاكاً لعقائد القانون الدولي المتعلقة بالحفاظ على جودة موارد المياه وتفادي التلوث) سبب ضرراً فادحاً.

من الواضح أن السكان الفلسطينيون، لا يبذلون أي جهد لإدارة موارد المياه حسب القواعد الأساسية التي تتطلبها التنمية المستدامة. وبناء على القانون الدولي فإن هذا التصرف اللامسؤول يحول دون مطالبة الفلسطينيين وحصولهم على المزيد من حصص المياه.

الوضع الدائم

إن المنطقة التي نحن بصددها تعاني من نقص حاد في المياه نظراً للمناخ شبه الجاف ونظراً أيضاً لزيادة عدد السكان. واضح أن موارد المياه الطبيعية الحالية غير كافية لتلبية الحاجات الحالية والمستقبلية. ولكن ولحل قضية نقص المياه عند الفلسطينيين ينبغي البحث عن حل عادل ودائم لا يفاقم بالمقابل من ندرة المياه في إسرائيل. هذا الحل سيكون ضرورياً لزيادة التيسير التام للمياه في المنطقة وممارسات أكثر من استرشادية وزيادة الكفاءة (هدر أقل للمياه في المراكز الحضرية) والتطوير الأساسي لكل أنظمة توريد المياه عند الإسرائيليين والفلسطينيين معاً.

الأقوال تخالف الأفعال

حاول الفلسطينيون في المفاوضات السابقة ضم حقوق المياه ضمن أي اتفاق نهائي دائم، بيد أن الاسرائيليين من ناحية أخرى أصروا على مناقشة الحلول العملية وبالتحديد تخصيص موارد المياه بناء على الحاجات. أثبت هذا النهج العملي نجاعته في جميع النزاعات العالمية على موارد المياه كالنزاع على نهر ميكونج بين كومبوديا ولاوس وفيتنام والخلاف على نهر الأندوس بين الهند وباكستان والخلاف أيضاً على نهر النيل بين الدول العشر الحوضية المتشاطئة. أما في إسرائيل فقد تألق ذلك في مثالين: الأول من خلال الاتفاق الذي وقع عام 1994 مع المملكة الأردنية الهاشمية والذي لا يتضمن حقوق المياه. والثاني الاتفاق المؤقت مع الفلسطينيين عام 1995 والذي أجل فيه قضية حقوق المياه. إذا عادت السلطة الفلسطينية وأثارت قضية حقوق المياه فعندئذ لن يكتب النجاح للمفاوضات.

حصر الحقوق المائية الفلسطينية

حسب الاتفاق المؤقت مع الفلسطينيين عام 1995، تحددت الحاجات المستقبلية من المياه بـ 70-80 مليون متر مكعب في العام إضافة إلى الكمية المستهلكة سابقاً وهي 118 مليون متر مكعب. هذا يعني أن الفلسطينيين في يهودا والسامرة لابد أن يضمن لهم الحصول على نحو 200 مليون متر مكعب سنوياً. بلغ حجم استهلاك الفلسطينيين من المياه عام 2006 (178) مليون متر مكعب سنوياً منها 132 مليون متر مكعب سنوياً (للاستهلاك الزراعي) تستخرج محلياً و46 مليون متر مكعب تشتري من إسرائيل (شاهد شكل رقم 6 وجدول رقم 2). إذا ما أخذ بعين الاعتبار الزيادة الحاصلة منذ عام 1995 وكذلك الآبار غير المرخصة وتمديد الأنابيب، نجد أن الفلسطينيين يستهلكون حالياً نحو 200 مليون متر مكعب سنوياً وهي الكمية التي خصصت لهم بمعنى أنهم وصلوا إلى الهدف المائي الذي حدد لهم. ومع ذلك كله فقد طرح في الورقة مقترحات لإيجاد موارد مائية إضافية للاستخدام الفلسطيني وهي الطبقات الجوفية الشرقية والاسترشاد المنزلي والزراعي ومعالجة المياه العادمة وتحلية مياه البحر.

حلول عملية

بالضبط مثلما هو في إسرائيل فإن زيادة توريد المياه للفلسطينيين يمكن أن يتحقق من خلال تحسين كفاءة استخدام وتطوير أنظمة معالجة المياه العادمة. تبلغ كمية المياه التي يمكن أن توفر من وراء سد التسربات في أنابيب المياه الحضرية نحو 10 مليون متر مكعب سنوياً وإن كان يصعب القضاء على ذلك قضاءً تاماً. إضافة إلى ذلك فإن التوفير الكبير الذي يمكن أن ينجم عن تحسين تقنيات الري لن يقل عن 15 مليون متر مكعب سنوياً وهذا سيساهم مساهمة لا بأس بها في توريد المياه إلى الأراضي الزراعية، كما أن تجميع ومعالجة المياه العادمة للمناطق الحضرية سينتج نحو 30 مليون متر مكعب سنوياً بحيث تستخدم لأغراض الري. ستحل هذه الكميات الهائلة محل المياه العذبة المخصصة للأغراض الزراعية. أخيراً باستطاعة معامل تحلية مياه البحر توفير أي كمية يحتاج إليها الفلسطينيين. المعروف أن الخطط الهندسية المفصلة الخاصة بهذه الموارد المائية الجديدة إما موجودة أصلاً وإما يمكن إعدادها من خطط شاملة مشابهة. يجب سد التسربات واتباع تقنيات ري حديثة دون أي تأخير. هناك أيضاً برامج مفصلة لمعامل معالجة المياه العادمة موجودة منذ سنوات وما على الفلسطينيين إلا التوقيع عليها. يمكن استخدام قنوات المجاري محلياً وكذلك الفائض (خصوصاً في نابلس ورام الله) يوجه إلى المزارعين الفلسطينيين في وادي الأردن. أما في قطاع غزة فيمكن استخدام السهل الساحلي لإنشاء محطات لتحلية مياه البحر علماً بأن هذه الطريقة يمكن أن تساعد في إعادة تأهيل طبقة المياه الجوفية الملوثة في القطاع.

إذا ما أخذ بالاعتبار نسبة الزيادة السكانية عند الفلسطينيين ومقدار حصة الفرد الفلسطيني من الاستهلاك المائي، نجد أن الخطوات المقترحة آنفة الذكر يمكن أن توفر كمية المياه التي هم بحاجة إليها وهي زيادة لتكون احتياطاً كما سيبين من خلال الاحصائيات التالية. في قطاع غزة تستطيع محطات تحلية مياه البحر تلبية الحاجات المرجوة. أما في يهودا والسامرة فيبلغ عدد السكان الذين يستخدمون المياه من معامل فلسطينية نحو 1.4 مليون فلسطيني والزيادة السكانية السنوية تبلغ 1.8%. وعليه في عام 2030 سيبلغ عدد السكان نحو 2.15 مليون نسمة. لو فرضنا أن معدل حصة الفرد من المياه هي 150 لتر في اليوم (40% فوق النسبة الحالية) فحينئذ ستبلغ حجم الكمية الإجمالية الاستهلاكية محلياً 118 مليون متر مكعب سنوياً والبرامج آنفة الذكر هي التي ستوفر المصادر المائية الضرورية والإضافية بحيث سيكون هناك مجالاً لكمية احتياطية تخصص للتنمية الزراعية.

الخاتمة

تتناول هذه الورقة بالتفصيل الاتفاق المائي بين إسرائيل والفلسطينيين وبهذا تكون قد صخرت كافة الانتقادات الموجهة لإسرائيل على خلفية عدم إيفاءها بتعهداتها. إسرائيل لم توف فقط بكل تعهداتها المنبثقة عن الاتفاق المؤقت لعام 1995 الموقع مع السلطة الفلسطينية، بل أيضاً أوفت بكل التزاماتها التي يتطلبها اتفاق الوضع الدائم النهائي. يكاد لا يكون هناك فارق اليوم في معدل حصة الفرد من استهلاك المياه بين الاسرائيليين والفلسطينيين والفارق الكبير الذي كان موجوداً عام 1967 عندما تسلمت إسرائيل إدارة يهودا والسامرة من الأردن تقلص على مدار الأعوام الأربعين الماضية ولا يكاد يرى الآن. إن حصة الفرد الفلسطيني من استهلاك المياه أعلى بكثير من أدنى الحاجات الإنسانية التي حددتها منظمة الصحة العالمية. في الوقت الذي ضمنت فيه إسرائيل ربط جميع المدن والقرى الفلسطينية بالمياه الجارية، فقد انتهك الفلسطينيون من ناحية أخرى ما نص عليه الاتفاق من خلال رفضهم إنشاء محطات لمعالجة المياه العادمة (رغم وجود تمويل دولي). علاوة على ذلك حفر الفلسطينيين المئات من آبار المياه بطريقة غير مشروعة وربطوا أنفسهم بطريقة غير قانونية بأنابيب توريد المياه الإسرائيلية الأهم من ذلك كله أنه ليس للفلسطينيين أسس كثيرة تستند إليها مطالبتهم بالمياه حسب معايير القانون الدولي.

أولاً:   يناقض الاتفاق الموقع كافة الحدود الأخرى.

ثانياً:   ملكية إسرائيل التاريخية للطبقة الصخرية المائية كانت قبل الأربعينات وليس لها أي علاقة بالاحتلال.

ثالثاً:   لا يحق للفلسطينيين استغلال المياه الجوفية للطبقة الجوفية الشرقية التي تستخدمها إسرائيل استخداماً تاماً قبل أن تستغل المياه الجوفية للطبقة الغربية غير المستخدمة.

أخيراً   على كل فرد فلسطيني أن يدفع مقابل استهلاكه للمياه تفادياً لتسرب المياه من الأنابيب وتطبيق أساليب ري حديثة تكفل الاسترشاد وإعادة استخدام مياه المجاري للري. كون الفلسطينيين لم ينفذوا أي من هذه الخطوات ولم يتبنوا أي ممارسات تنموية مستدامة فهذا يجعلهم يبتعدون عن تلبية مطالب إضافية بالمياه من إسرائيل. ترى إسرائيل أن قضية المياه يمكن أن تتحول من مصدر للخلاف والتوتر إلى مصدر للتفاهم والتعاون. وكما حصل من خلال توقيعها على اتفاقيتي المياه السابقة مع الأردن عام 1994 ومع الفلسطينيين عام 1995، تتمنى إسرائيل تحقيق اتفاق عملي دائم وعادل مع الفلسطينيين. لاشك أن هذه الورقة تعرض خطة يمكن أن تحل بشكل سريع وبشكل جيد أي أزمة مائية مستقبلية عند الطرفين. ستوفر الخطة المقترحة الكمية الكافية من المياه التي سيحتاج إليها ضمن العام 2030 وبفائض.

 



* المؤلف هو أستاذ علم المياه في معهد العلوم الأرضية بالجامعة العبرية بالقدس.

2014-02-20 19:27:00