منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

دورة تدريبية في التثقيف السياسي 10

التنسيق الأمني (المضمون والتداعيات )

ما المقصود بالتنسيق الأمني، علامَ ينص؟ وما هي خلفياته؟

التنسيق الأمني يعني الاتصال بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال الإسرائيلي من خلال لجان ارتباط مشتركة (مدنية وعسكرية) بهدف معالجة القضايا ذات لاهتمام المشترَك وحل المنازعات الناتجة عن تطبيق الاتفاقية (أوسلو) بين الطرفين
وقد وضّحت الاتفاقية أمثلة للحالات التي يجب التنسيق فيها بين الجانبين كما يلي
1-نشاط مخطط أو غير مخطّط له، أو انتشار للقوات العسكرية الإسرائيلية أو الشرطة الفلسطينية يؤثّر بشكل مباشر على المسؤولية الأمنية للطرف الآخر. وهذا يتضمّن نشاطًا أو انتشارًا على مقربة من المستوطنات أو المواقع الفلسطينية المأهولة بالسكان.
2-أحداث تشكّل تهديدًا للنظام العام
3-أنشطة تشوّش على حركة السير المنتظمة على الطرق الرئيسة بما في ذلك حواجز الطرق أو أعمال صيانة الطرق.
4-حوادث ذات صلة بإسرائيليين وفلسطينيين مثل حوادث الطرق وإنقاذ مصابين أو أشخاص يواجهون خطرًا مميتًا، وحوادث اشتباك أو أي حادث يستخدم فيه سلاح
عمل إرهابي من أي نوع ومن أي مصدر
 6-حالات تسلّل بين الضفة الغربية وقطاع غزة واسرائيل.
7-جميع الحالات التي يتلقى فيها إسرائيليون العلاج في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو الحالات التي يتلقى فيها فلسطينيو الضفة الغربية أو قطاع غزة العلاج في إسرائيل.
أما خلفياته فيمكننا التوضيح أن الاتفاق على التنسيق الأمني جاء ضمن اتفاقية مرحلية تنظم عملية تأسيس سُلطة حكم ذاتي فلسطيني تحت الاحتلال بهدف انسحاب تدريجي للاحتلال يجب أن يكتمل من كل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة على ثلاث مراحل آخرها كان يجب أن تتلوَ أول انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني فورًا ما عدا المستوطنات والتي تبقى تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية إلى حين انتهاء مفاوضات القضايا النهائية التي يجب ألّا تتجاوز السنوات الخمس من التفاوض والاتفاق، ولذلك عمليات التسليم والاستلام للأراضي الفلسطينية كان لا بد لها من وجود تنسيق امني ينظّمها وينظِّم كل قضايا الحياة المدنية والأمنية المشتركة بيننا وبين الإسرائيليين، وللعلم أن جميع البنود في اتفاقية أوسلو والمتعلقة بالتنسيق الأمني تخاطب طرفَي الاتفاق بندية وبتوازٍ، فعلى سبيل المثال المواد التي تطالب بالتنسيق لمنع الأعمال الإرهابية توضح بأنه واجب على كلا الجانبين وليس على جانب واحد فقط.

ما هي تبعات وقف التنسيق الأمني؟
للتنسيق الأمني شق عسكري وشق مدني ولكن الإدارة المدنية الإسرائيلية للمناطق المحتلة (غزة والضفة) هي فرع يتبع وزارة الدفاع الإسرائيلية لذلك لا يمكننا الفصل بين التنسيق الأمني بالجانب العسكري والجانب المدني، فالاحتلال يتعامل مع الجانبين بشكل أمني ومن خلال الإدارة المدنية، ولو فرضنا أن السلطة الفلسطينية نفّذت قرارًا بوقف التنسيق الأمني فستتعطل الحركة المتعثّرة أصلا لسير الأفراد والبضائع، لأنه ليس للسلطة أي سيادة على معابر دولية ولا حتى على معظم الطرق الرابطة بين مدن الضفة الغربية وغزة أيضًا، فستنعزل مدن الضفة الغربية عن بعضها البعض وعن إسرائيل وعن العالم الخارجي وستفقد السلطة قدرتها على ممارسة مهامها الأمنية في ضبط الأمن وتنفيذ القانون بشكل فعّال بمختلف مناطق الضفة الغربية، حيث أن معظم أراضي الضفة الغربية مناطق خاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية (ب – ج) فلا بد من التنسيق من اجل تحرك الأمن الفلسطيني إليها أو من خلالها. وسيسمح الاحتلال للحالات الإنسانية جدًا فقط بالتحرك وسيحافظ على تدفق البضائع التي بفقدانها تتدهور الحالة الإنسانية في الضفة وغزة، ففي قطاع غزة بشكل خاص توقّف التنسيق الأمني بالشق العسكري بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالقوة ونتيجة ذلك تقوم إسرائيل بانتهاك حقوق الصيادين بشكل دائم من حيث عمق الصيد المسموح، والاعتقالات، وإطلاق النار على زوارقهم بشكل متواصل دون أن يكون هناك رادع، فبوجود التنسيق الأمني الفلسطيني سابقًا قبل سيطرة حماس كان هناك لجنة الارتباط البحري المشتركة يجتمع فيها الجانبان وينسقان شؤون الصيادين والانتهاكات الإسرائيلية بحقهم، وتعمل اللجنة الفلسطينية على المطالبة بحقوقهم وهناك شرطة بحرية فلسطينية تراقب التزام الاحتلال بحقوق الصيادين وتعدياته وانتهاكاته لحقوقهم وللاتفاقية وبذلك كان العمل الأساسي للجان التنسيق الأمني هو حل النزاعات من خلال التفاوض ومن خلال التواجد العسكري على الأرض والبحر لحماية المواطن الفلسطيني وحقوقه بالقوة
وما سمح باستمرار تدفق البضائع والمحروقات والأموال والمياه والكهرباء وإصدار الهويات لقطاع غزة بالرغم من عدم وجود تنسيق امني عسكري فلسطيني مع الجانب الإسرائيلي هو أن حماس حين سيطرت على كل وزارات السلطة الفلسطينية ومرافقها وأجهزتها استثنت فقط وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية لتبقى تعمل تحت سيطرة السلطة الفلسطينية لعلم حماس بأنه بدون وزارة تنسيق امني حتى لو بالشق المدني فقط ستعجز عن تسيير شؤون حياة غزة وحكمها، فالكهرباء والأموال والماء والوقود والطعام والتجارة بمختلف أشكالها كلها يتم دخولها إلى قطاع غزة من خلال وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية التي تمثّل شكلاً من أشكال التنسيق الأمني بيننا وبين الاحتلال كون الجهة التي تنسّق معها هي الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تتبع وزارة الدفاع الإسرائيلي بشكل مباشر، إما الواجبات الأمنية التي كانت تقوم بها قوات السلطة الفلسطينية ومن خلال تنسيق أمني مع الارتباط العسكري الإسرائيلي فقد استمرت قوات حماس الأمنية فيها كونها تعلم بأنها تخدمنا على الأقل أن لم تكن تخدم الطرفين مثل حراسة الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل من أي عمل مسلح أو اختراق، فمن الطبيعي أن أي سلطة حاكمة لن ترغب بعمليات مواجهة عسكرية يفجّرها أي مواطن فلسطيني على مزاجه وتوقيته الخاص.
وبذلك فإن وقف التنسيق الأمني بشكل كامل بدون تدخل من أي طرف ثالث وببقاء الاحتلال الإسرائيلي على حاله وبنفس ممارساته، سيؤدي إلى عجز السلطة الفلسطينية عن القيام بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع (اقتصاديًا في الضفة وغزة وامنيًا في الضفة) مما سيؤدي إلى انهيارها، وبانهيار السلطة الفلسطينية سينهار ما تبقى من اقتصاد فلسطيني في قطاع غزة وبذلك ستنهار أيضًا منظومة حماس للحكم الذاتي في قطاع غزة.


ما هي الآليات والأُسس التي سيتم إتباعها إذا أوقفت منظمة التحرير الفلسطينية التنسيق الأمني فعليًا؟
اعتقد بأن السلطة ستحاول تخفيض مستوى التنسيق الأمني مع التمسك بالتنسيق بالشق المدني دون تغيير وهنا قد سمعنا تصريحات صحفية إسرائيلية بأن إسرائيل لن تسمح للسلطة بالتعامل مع التنسيق الأمني بانتقائية فإما استمراره بشكل كامل وإما وقفه بشكل كامل. وهنا ممكن للسلطة أن تمارس التشدد والمناورة أو المناكفة بالتنسيق الأمني مع إسرائيل بدون وقفه، مثل حصر عملية التنسيق بلجان الارتباط العسكري ومن خلال الاجتماعات الرسمية الدورية فقط ووقف أي اتصالات أمنية بين قادة الأمن الفلسطيني والإسرائيلي وتخفيض مستوى ضباط الارتباط العسكري الذين يجتمعون مع الجانب الإسرائيلي ولكن هنا ستكون خسائرنا أكثر من الجانب الإسرائيلي فغالبًا نحن الطرف الأكثر حاجة لحل النزاعات والأزمات الأمنية والمدنية مع الجانب الإسرائيلي كفقدان مواطنين أو ممتلكات أو الحاجة السريعة لنشاط امني فلسطيني بمنطقة خاضعة للأمن الإسرائيلي أو سرقة أغنام رعاة فلسطينيين او كبح عربدات مستوطنين ...الخ، فالتشدد بالتنسيق والمماطلة وتخفيض المستوى سيضرنا أكثر مما ينفعنا.
أما قضية التنسيق الأمني في منع الأعمال المسلّحة ضد الاحتلال فهنا أعود لأؤكد بأنه عمل تبادلي حيث يقوم الأمن الإسرائيلي بمنع أي أعمال مسلّحة من جانبهم ضد الفلسطينيين مقابل منع أي أعمال مسلحة من جانبنا ضد إسرائيليين وان سمحت السلطة للعمل المسلّح من داخل الأراضي التي تسيطر عليها بشكل كامل، فسترد إسرائيل بالمثل ونحن الحلقة الأضعف في هذه المعادلة.
 لذلك بتنسيق امني أو بدونه ستبقى سياسة السلطة الفلسطينية مع وقف الهجمات المسلّحة لحد الآن على الأقل، والمثال كذلك قائم في قطاع غزة، فاليوم حماس من مصلحتها التهدئة لذلك تمنع أي عمل مسلّح ضد الإسرائيليين ينطلق من الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

هل هناك فرق بين التنسيق الأمني والتعاون الأمني؟
التعاون الأمني: هو جزء من التنسيق الأمني فقد ذكرت كلمات تعاون كالأمثلة التالية
في المادة الثامنة والعشرين من الشق الأمني لاتفاقية أوسلو
1- ستتعاون إسرائيل والمجلس بتزويد كل منهما الآخر بالمساعدة الضرورية في القيام بالبحث عن الأشخاص المفقودين، وعن جثث أشخاص لم يتم اكتشافهم، وكذلك بتزويد معلومات عن الأشخاص المفقودين.
2
-تتعهّد "م.ت.ف" بالتعاون مع إسرائيل أن تساعدها في جهودها لتحديد وإرجاع جنود إسرائيليين فقدوا في الخدمة إلى إسرائيل، وكذلك البحث عن جثث إسرائيليين لم يتم اكتشافهم بعد. فكلمة تعاون تستخدم بالحالات التي تحتاج إلى جهود مشتركة من التعاون لتحقيق هدف محدد، وهناك مثال على التعاون بين قوات الدفاع المدني الفلسطيني مع الإسرائيلي في إخماد حريق الكرمل داخل إسرائيل عام 2010

هل وقف التنسيق الأمني سيجر الضفة والقطاع إلى مرحلة جديدة مع الاحتلال؟
نعم ان تم وقف التنسيق الأمني بدون تدخل طرف دولي ثالث ستنهار منظومة الحكم الذاتي الفلسطيني تحت الاحتلال وبذلك سيعود الاحتلال ليتحمل مسؤولياته بشكل مباشر على الضفة الغربية وغزة مما سيكلفه ثمنًا امنيًا وسياسيًا واقتصاديًا باهظًا، واعتقد أن الاحتلال لن يحتمله في ظل المعطيات الديموغرافية الفلسطينية الحالية مما سيضع الاحتلال أمام عدة خيارات أما الضم بشكل كامل (دولة ثنائية القومية) أو الانفصال بشكل كامل عن الأراضي الفلسطينية مع تمكين الفلسطينيين من مواردهم ومعابرهم كي يتمكنوا من تحمل مسؤولية أنفسهم دون تنسيق وارتباط بالجانب الإسرائيلي أو البحث عن سلطة حكم ذاتي جديدة ليس لديها مشروع سياسي وطني تحرري مقبول دوليًا أو قابل للتحقيق، تقبل بممارسة حكم ذاتي هادئ مقابل تسهيلات إنسانية واقتصادية. أو خيار فصل غزة وتحسين ظروفها لتستقل عن الاحتلال مقابل ضم معظم أراضي الضفة إلى إسرائيل وتحويل ما تبقى منها إلى معازل تحكم ذاتها مقابل تسهيلات اقتصادية.. وهناك العديد من الرؤى والدراسات الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية والتي من أبرزها خطة غيورا ايلاند المتمحورة حول دولة فلسطينية في غزة.


هل حجز إسرائيل لأموال الضرائب قانوني؟
بالتأكيد هو غير قانوني ومخالف لاتفاقية باريس الاقتصادية التي تمثّل الملحق الاقتصادي لاتفاقية أوسلو والتي تنظم العلاقة الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والتي يعارضها الكثيرون بينما نحن الآن ندعو الجانب الإسرائيلي إلى التمسك بها وعدم حجز أموالنا كما تنص، وهنا نسأل الـمُطالبِين بوقف العمل باتفاقية باريس ..ما هو البديل؟ البديل هو أن إسرائيل ستنتهك حقوقنا وتدمرنا اقتصاديًا لأننا بكل بساطة ليس لنا أي سيادة على أي شكل من إشكال المعابر (ميناء، مطار، معابر برية) حتى نستطيع أن نتحرر من الاتفاقية، لذلك علينا التمسّك بالاتفاقية، ومطالبة رعاة الاتفاقية (اللجنة الرباعية) أن يُلزِموا إسرائيل بالتقيد بها، والمطالبة بإنهاء الاحتلال بشكل عام وليس إنهاء أو تعديل الاتفاقيات التي تنظم حكمنا لذاتنا تحت الاحتلال، أو رفض منظومة الحكم الذاتي تحت الاحتلال جملةً وتفصيلا (حل السلطة)
إما ذريعة إسرائيل بانتهاك الاتفاقية هي انه الجانب الفلسطيني أيضا قد انتهك الاتفاقية بتوجهه لنيل العضوية في الأمم المتحدة وتوجهه للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية. فهناك بند في اتفاقية أوسلو يقول: "لن يقوم أي طرف بالبدء أو بأخذ أي خطوة يمكن أن تغير في وضع الضفة الغربية وقطاع غزة لحين التوصل إلى نتائج مفاوضات الوضع الدائم". والجانب الفلسطيني اعتمد على هذا البند لمنع إسرائيل من التمدد الاستيطاني بينما اعتمدت عليه إسرائيل لمنع الجانب الفلسطيني من إعلان دولة فلسطينية وتغيير وضعه السياسي في الضفة وغزة بدون اتفاق، لكن استمرار الاستيطان واستمرار إسرائيل في تغيير وضع الضفة الغربية استباقًا لنتائج مفاوضات الوضع الدائم، جعل الجانب الفلسطيني يسعى لتغيير وضعه السياسي من خلال الأمم المتحدة وعضوية الدولة الفلسطينية. وهنا إسرائيل ترد أيضا بخرق الاتفاق من خلال حجز الأموال وتعتبره ردا على الخرق الفلسطيني.

2015-04-13 23:05:00