منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

دورة في الديمقراطية وحقوق الانسان

عقد ت دائرة التدريب بمركز التخطيط التابع للجنة التنفيذية اللقاء التثقيفي الثاني في دورة الديمقراطية وحقوق الانسان وذلك يوم الخميس الموافق

17-9-2015.

ألقى المحاضرة الأستاذ محمد التلباني حيث كان موضوع اللقاء حول

فلسطين بين القانون الدولي الأساسي والدستور الدائم

 

إليكم محتوى المحاضرة

مقدمة :

لم يعد استخدام مصطلح الدستور وتناول مضامينه حكراً على رجال القانون والساسة، بل اصبح هذا المصطلح من المصطلحات المتداولة في وسائل الاعلام، وعلى ألسن الناس في السنوات الاخيرة؛ وخاصة مع التغيرات التي حدثت وتحدث في الدول المجاورة ، ومحاولة وضع قواعد ورسم اطار يحدد شكل الدولة ومقوماتها الاساسية وهويتها، وتوجهاتها العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما ادخل قطاعات شعبية واسعة في صراعات على مواد ونصوص الدساتير .

من هذا المنطلق فلسطين لم تكن يوما بمعزل عن الارث الدستوري وتبعاته المختلفة، وهو ما سنحاول توضيحه بالتذكير بهذا الارث ثم تناول الواقع الدستوري ومحاولة استشراف مستقبله .

تعريف الدستور ( القواعد الدستورية )

تعرف القواعد الدستورية من ناحية موضوعية : بأنها مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وتبين سلطاتها العامة وعلاقتها ببعضها وعلاقتها بالأفراد، كما تقرر حقوق وحريات الافراد وضماناتها .

بينما تعرف القواعد الدستورية من ناحية شكلية : بأنها مجموعة القواعد التي تتولى وضعها هيئة خاصة وتتبع في سنها وتعديلها وإلغائها اجراءات خاصة تختلف عن الاجراءات المتبعة في القوانين العادية .

مصادر القواعد الدستورية

الاوضاع الدستورية في فلسطين قبل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية

القواعد الدستورية لست غريبة عن فلسطين فقد خضعت فلسطين لقواعد دستورية مختلفة باختلاف الحقب والسلطات الحاكمة وهي على النحو التالي :

في عهد الدولة العثمانية

كانت فلسطين جزء من الدولة العثمانية وكان سكانها الفلسطينيون رعايا لتلك الدولة ويخضعون لقوانينها ، وفي اطار محاولات تحديث وتطوير وترميم الدولة العثمانية وتنظيم مؤسسات الدولة واداراتها في اواخر عهدها [1] واخراجها من الضعف والوهن تم تحديث القوانين في الدولة العثمانية، وفي هذا السياق تم وضع القانون الاساسي للسلطنة عام 1876  ( دستور السلطنة ) ، وكان مقتبسا من الدستور البلجيكي والفرنسي وصيغ في 119 مادة ، وبين حقوق السلطان وكان مقدسا لا يسأل وبيده سلطات واسعة جدا ، ودعا لاستحداث مجلسين احدهما معين والاخر منتخب    ( 60 عرب و 150 اتراك ) ولكن هذا الدستور لم يستمر لأكثر من سنة وقام السلطان عبد الحميد بحل البرلمان وتعليق العمل بالدستور حتى انتهي حكمه .

في عهد الانتداب البريطاني :

بعد احتلال فلسطين عام 1917 ثم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، اصدر ملك بريطانيا مرسوم دستور فلسطين عام 1922، وهو دستور يعطي المندوب السامي البريطاني صلاحيات واسعة ويجعل من نظام الحكم في فلسطين حكماً مطلقاً في يد المندوب السامي ، ويشرع الابعاد ، كما نص على استحداث مجلس تشريعي ( نصفه معين من الموظفين العموميين ، ونصفه بالانتخاب ) ، وأمام رفض الشعب العربي الفلسطيني الاشتراك في انتخاب هذا المجلس التشريعي ، قام ملك بريطانيا في عام 1923 بتعديل مرسوم دستور فلسطين ، واستحدث المجلس الاستشاري المعين ، ويعطي سلطة التشريع للمندوب السامي واستمر العمل بهذا الدستور حتى نكبة عام 1948 .

في عهد الحكم الأردني للضفة الفلسطينية :

بعد نكبة عام 1948 وضياع اغلب فلسطين خضعت الضفة الفلسطينية للحكم الاردني؛ الذي سرعان ما ضم الضفة الفلسطينية إلى امارة شرق الاردن مكونا المملكة الهاشمية الاردنية ، وخضعت الضفة الفلسطينية واهلها للتاج الاردني ولقوانينه ، ومنها دستور عام 1952 الذي وضع في عهد الملك طلال الاول .

في عهد الادارة المصرية لقطاع غزة :

حافظت جمهورية مصر العربية على الكيانية الفلسطينية للشعب الفلسطينية في قطاع غزة ، ولم تعمل على ضم القطاع لمصر وطمس الشخصية الوطنية الفلسطينية ، بل عملت على ادارة القطاع بما يحافظ على حقوق اهله ، وقد وضع مجلس الوزراء المصري القانون الاساسي لقطاع غزة لسنة 1955 ، ثم عدل بقرار من رئيس الجمهورية المصري بالقانون الاساسي لسنة 1962 ، والذي وسع من الحقوق والحريات لسكان القطاع، وسمح بإجراء انتخابات للمجلس القومي في قطاع عزة يختار من بينهم اعضاءه اعضاء المجلس التشريعي بدل ان كان اعضاء هذا المجلس معينين في القانون الاساسي الاول لسنة 1955.

 أهمية وجود دستور لإقرار الدولة القانونية:

 يثار التساؤل عن اهمية وجود الدستور في الدول ؟

يعد وجود دستور في البلاد أحد ركائز اقرار الدولة القانونية التي تحكم بالقانون ويسود فيها القانون ، فكل اجراء يتخذ في الدولة وفي مواجهة الافراد يكون وفق القانون ، عكس الدولة البوليسية أو الدولة الاستبدادية حيث للسلطات الدولة مطلق الحرية في اتخاذ الاجراءات التي تراها تلك السلطات مناسبا لتحقيق اهداف السلطات .

فالدستور يقيد كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ويمنع مخالفة احاكمه . ويؤكد وحفظ ويوفر الضمانات للحقوق والحريات ، رغم ان تلك الحقوق والحريات يتم النص عليها في الدساتير على شكل مبادئ دستورية تحتاج نصوص تشريعية لتنظيمها ووضعها موضع التنفيذ ، ويقرر رقابة على دستورية القوانين واللوائح تختلف بين رقابة سياسية ( فرنسا) ورقابة قضائية ( الولايات المتحدة الامريكية ) .

وذلك إلى جانب الفصل بين السلطات وخضوع الادارة للقانون وتدرج القواعد القانونية والاعتراف بالحقوق الفردية وتنظيم الرقابة القضائية .

 كيف يوضع الدستور دولياً وكيف يعدل؟

 تتجه اغلب الدول نحو وضع دساتير جامدة أي التي يتبع في وضعها أو تعديلها اجراءات مختلفة عن اجراءات وضع وتعديل القوانين العادية .

وتختلف طرق وضع الدستور من بلد لآخر فهناك الدستور المنحة من الملك أو الرئيس ، وهناك دساتير توضع من خلال هيئة تأسيسية سواء منتخبة أو معينة من سياسيين أو قانونية أو مختلطة ، أو من خلال لجان خبراء سواء وطنيين أو اجانب .

ويكون اقرار مقترح الدستور أو مسودة الدستور أما من خلال البرلمان سواء كان مشكلا من مجلس واحد أو مجلسين ، بأغلبية معينة وغالبا ما تكون اغلبية كبيرة ، أو من خلال استفتاء شعبي وهو ما يسمى الدستور الجامد .

ويعدل الدستور بالطرق التي حددها الدستور أو من خلال الطريقة التي وضع فيها الدستور.

 الحياة الدستورية في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية :

 بناء على اتفاق اوسلو  بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل والاتفاقيات الانتقالية الاخرى، انشأ عام 1994 مجلس السلطة الوطنية والذي كان يجمع بين الوظيفة التنفيذية والوظيفة التشريعية ، وكانت القوانين تصدر بمراسيم من الرئيس الراحل ياسر عرفات.

وفي عام 1996 جرت أول انتخابات تشريعية في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية ، افرزت المجلس التشريعي والمكون من (88) عضوا منتخباً بانتخابات عامة مباشرة من الشعب بطريقة الاقتراع السري ، وتولى المجلس التشريعي وظيفة التشريع وبدأ في سن القوانين ، وسعى المجلس التشريعي لوضع القانون الاساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية ، واعد القانون واقره بالقراءة الثالثة عام 1997 وقدمه لرئيس السلطة الوطنية .

 ولكن هذا المسعى لم يرى النور وبقي حبيس الادراج حتى 29/5/2002 حيث صادق رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات عليه ، ونشر في الجريدة الرسمية في 7/7/2002 ودخل حيز التطبيق ، وقد حدد مدة رئاسة السلطة والمجلس التشريعي بالفترة الانتقالية ، وحصر السلطة التنفيذية في رئيس السلطة ومجلس الوزراء الذي يساعد الرئيس في مهامه والذي اشترط اغلبية الثلثين لتعديله .

وفي 18/3/2003 عدل القانون الاساسي الفلسطيني وذلك لاستحداث منصب رئيس مجلس الوزراء وبين صلاحياته وحدد صلاحيات رئيس السلطة الوطنية   .

وفي عام 2005 تم اجراء تعديل على القانون الاساسي وذلك تمهيدا لإجراء الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006 ، وليسمح بتعديل قانون الانتخاب ولتجنب اي تعارض بين هذا القانون وبين القانون الاساسي قبل التعديل ، وليسمح بزيادة اعضاء المجلس التشريعي من ( 88) إلى (122) عضوا ، وليحدد مدة الرئاسية والمجلس التشريعي بمدد محددة وليست سياسية مفتوحة وعدم ربطها بالفترة الانتقالية

وبذلك يكون النظام السياسي الفلسطيني استمر في العمل بدون قانون أساسي منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 حتي عام 2002 .

 ملامح القانون الاساسي الفلسطيني ( مزاياه وعيوبه )

حمل القانون الاساسي الكثير من الايجابيات التي تدعم سيادة القانون وبناء السلطة على اسس صحيحة :

فقد حدد في الباب الاول : مقومات السلطة الوطنية وفلسطين واعتبارها جزء من الامة العربية، والشعب مصدر السلطات ، والقدس عاصمة فلسطين ، والاسلام الدين الرسمي في فلسطين مع احترام سائر الديانات السماوية، ونظام الحكم بانه نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية الحزبية ، وسيادة القانون اساس الحكم في فلسطين فيخضع الجميع اشخاصا وسلطات للقانون .

أما الباب الثاني فخصص للحقوق والحريات العامة : وقد نص على عدد كبير من الحقوق والحريات العامة اعترف بها للموطنين والاشخاص:  من حرية شخصية وتحديد قيودها بالقانون ، وحرية العبادة ، والراي والتعبير والاعلام ، والتنقل ، والتقاضي ،وكذا الاقتصاد الحر ، والضمان الاجتماعي والصحي والرعاية الاجتماعية ، والتعليم ، والسكن ، والعمل ، والمشاركة السياسية ، وانشأ هيئة مستقلة للدفاع عن الحقوق والحريات العامة.

الباب الثالث : حدد فيه طريق انتخاب رئيس السلطة الوطنية ، وحالات شغور المنصب وصلاحياته في الاحوال العادية وفي حالة الطوارئ.

الباب الرابع : نظم السلطة التشريعية وطريق انتخاب المجلس التشريعي وحصاناته ومهامه واختصاصاته الرقابية والتشريعية .

الباب الخامس : نظم السلطة التنفيذية من مجلس وزراء ورئيس مجلس وزراء وحدد اختصاصاته ومسؤولياته وكذا قوات الامن والشرطة .

الباب السادس : خصص للسلطة القضائية وتشكيلاتها واختصاصاتها وضمانات استقلالها وكذا النيابة العامة ، كما نص على انشاء المحكمة الدستورية التي تراقب دستورية القوانين واللوائح .

الباب السابع : نظم حالة الطوارئ.

الباب الثامن والاخير : فحوى على احكام انتقالية وختامية .

يعد القانون الاساسي (121 مادة ) متأثرا بدستور مصر لسنة 1971 ، وهو من الدساتير الحديثة والمتطورة عن الكثير من الدول العربية ، وهو يعد القانون الاساسي دستور مؤقت بمدة الفترة الانتقالية .

ورغم ذلك فقد سجل الباحثين والمختصين والممارسة العملية جوانب نقص وخلل في القانون الاساسي من بينها، اغفاله النص على الكثير من الحقوق والحريات العامة كالحق في الحصول على المعلومات ، والنص على حق النقد البناء ، وحماية الحق في الشرف والاعتبار ، والتضييق الشديد من حماية الحق في الحياة الخاصة، كما ولم يعرف اي صورة من صور الديمقراطية شبه المباشرة بالاستفتاء، كما اخفق في ايجاد التوازن بين صلاحية حجب الثقة عن الحكومة من قبل المجلس التشريعي ، وبين صلاحية الرئيس في حل المجلس التشريعي احد ركائز الحكم البرلماني .

 الاستشراف حول الحاجة لوضع دستور دائم لفلسطين حاليا

بعد الاعتراف بدولة فلسطين دولياً وأممياً هل نحن بحاجة الآن لوضع دستور دائم ؟

ليس هناك اجماع على هذه النقطة فهناك دوافع مؤيدة واخرى معارضة لوضع دستور دائم لفلسطين ، وذلك على النحو التالي :

الدوافع المؤيدة :

الدوافع المعارضة :

هل الفلسطينيين في الخارج سيمثلون في



[1] تم سن  قانون المؤسسة الإدارية عام 1839 ، وقانون الولايات ، وقانون التبعية العثمانية (الجنسية ) عام 1869 وذلك بضغط اوروبي لاحداث اصلاحات ادارية وقانونية لفتح الاسواق وتنظيم النفوذ ، وبسبب وعي النخب المحلية ومطالبتها بالاصلاح لانقاذ الدولة عبر اقتباس الازدهار الاوروبي وسر قوته .

2015-09-18 12:45:00