منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

دورة في الديمقراطية وحقوق الانسان

عقدت دائرة التثقيف والتدريب بمركز التخطيط التابع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اللقاء الثالث في دورة الديمقراطية وحقوق الانسان اليوم الأحد الموافق 20-9-2015.  حيث ألقى المحاضرة الأستاذ  القانوني محمد التلباني حول الفصل بين السلطات وأثره على الديمقراطية وحقوق الانسان.

الهدف العام من الدورة : زيادة الوعي القانوني في المجتمع الفلسطيني حول موضوعات الديمقراطية وحقوق الانسان

الاهداف الفرعية للمحاضرة :

محاور اللقاء :

1)    نبذة تاريخية عن انظمة الحكم قبل اقرار مبدأ الفصل بين السلطات

2)    مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات ومبررات وجوده

3)    صور تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات بين نظام برلماني ونظام رئاسي

4)    نظام الحكم في فلسطين وتبنيه لمبدأ الفصل بين السلطات

5)    دور مبدأ الفصل بين السلطات في ترسيخ الديمقراطية وحفظ الحقوق والحريات .

 

مقدمة :

 

أولاً

نبذة تاريخية عن أنظمة الحكم قبل إقرار مبدأ الفصل بين السلطات

 

شهدت الحضارات القديمة نظام حكم يقوم على الملكية المطلقة التي تستحوذ على صنع القرار في كافة نواحي الحياة وفي ادق التفاصيل ، كما كان نظام الحكم يقوم على الطبقية وانعدام المساواة  بين السكان وكذلك اعتماد المصدر الإلهي للسلطة الحاكمة .

وحتى مع ظهور الديانة المسيحية تجنب الباباوات الاوائل الصدام مع الامبراطور ، وادعوا ان سلطة الامبراطور مستمدة من الله وحب الامبراطور من حب الرب. ولكن عندما قويت الكنيسة بدأ الصراع بين سلطة البابا وسلطة الامبراطور .

وقد استمر لفترات طويلة دعاة كثر للحكم المطلق موجدين المبررات والنظريات التي تدعمه ، مفضلين الحكم المطلق على مبادئ الحرية والثورة والديمقراطية وحكم الشعب ويرون فيها فوضى وحكم الغوغاء وهدم للدولة ومضرة للناس ، ولكن هؤلاء المفكرين نادوا بالحكم المطلق الغير مستبد أي الذي يخضع لقوانين سواء القانون الطبيعي او لتعاليم الدين او للقوانين التي يضعها الملك نفسه وكذا السعي للصالح العام وليس المصلحة الخاصة للملك او الطبقة الحاكمة.

 ثانياً

مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات ومبررات وجوده

 

نتناول في هذا المحور تباعا مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات ثم مبررات وجود هذا المبدأ ، وذلك على النحو التالي :

1-    مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات

 

في مواجهة الظلم والاستبداد وتسلط الملوك وامراء الاقطاع ومصادرتهم لحقوق وحريات الافراد وفي مواجهة منع مشاركة الشعب في الحياة السياسية وفي صنع القرارات وادارة البلاد، ظهر مفكرين يدعون لمبادئ الحكم الديمقراطي وأهم ركائزه مبدأ الفصل بين السلطات ومن اوائل هؤلاء المفكرين واشهرهم المفكر الانجليزي جون  لوك والمفكر الفرنسي مونتسكيو .

ويقصد بمبدأ الفصل بين السلطات عدم تركيز وظائف الدولة واختصاصاتها الرئيسية في يد واحدة، بل توزيعها على هيئات عامة متعددة اي توزيع وظائف الدولة على ثلاث هيئات ، السلطة التشريعية  لوظيفة التشريع ، والسلطة التنفيذية لتنفيذ القوانين وادارة المرافق وتوفير الخدمات ، والسلطة القضائية للفصل في المنازعات وفق احكام القانون.

وقد كان لهذه الأفكار والمبادئ أثر كبير في نفوس القائمين على الثورة الفرنسية والثورة الامريكية وعلى أساس هذا المبدأ وضع الدستور الامريكي واعلان الحقوق الفرنسي .

 2-    مبررات وجود مبدأ الفصل بين السلطات

طبيعة عمل كل سلطة :

من المتصور وجود اجازة سنوية للمحاكم، ومن المتصور وجود اجازة للبرلمان وادوار انعقاد، ولكن من غير المتصور وجود اجازة للحكومة، فهي في حال انعقاد دائم وسهر دائم على تنفيذ القوانين وادارة المرافق والمؤسسات و توفير الخدمات.

لمنع الاستبداد :

إن وضع السلطات في يد واحدة يؤدي للاستبداد والتحكم ، أما توزيع الوظائف على سلطات وهيئات مختلفة يحقق التوازن ، فتحد كل سلطة الاخرى وتمنعها من الخروج عن اختصاصاتها .

سيادة القانون واحترام الدستور:

ينشأ عن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات هيئة أو جهاز للتشريع وآخر مستقل للتنفيذ وجهاز للقضاء ، وبتحديد اختصاصات كل هيئة أو جهاز لا يمكن أن يخرج عن تلك الاختصاصات ، فإذا خرج عن  تلك الاختصاصات شكل ذلك اعتداء على اختصاصات الهيئات الأخرى.

فيتم تأكيد وتقرير هذا المبدأ من خلال الدستور وتحديد صلاحيات كل سلطة وعلاقتها بالسلطة الاخرى.

فيشكل هذا المبدأ أحدى أهم ضمانات تطبيق القواعد الدستورية ( اي احترام أحكام ونصوص الدستور) فكل سلطة لها صلاحياتها المحددة في الدستور ما يشكل قيد على أي سلطة أخرى وتمنعها من تجاوز صلاحياتها فتوقف كل سلطة اعتداء السلطة الاخرى ومخالفة القانون أو الدستور.

أما اذا اجتمعت كل السلطات في يد واحدة رغم وجود دستور وقوانين الا انه لا يوجد اي ضمانة لاحترام القانون والدستور ولن يقف في طريق  الحاكم المستبد اي سلطة تمنع ذلك.

فيشكل مبدأ الفصل بين السلطات احد اهم المبادئ التي تقرر قانونية الدولة اي خصوعها بجميع اشخاصها وهيئاتها في كافة نشاطاتها وقراراتها للقانون.

 ثالثاً

صور تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات

 

تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات لا يحمل صورة واحدة بل يحمل اكثر من صورة اهمها الفصل المتوازن المرن والمتساوي وذلك وفق النظام البرلماني والفصل المطلق وفق النظام الرئاسي حيث الغلبة للسلطة التنفيذية واخيرا نظام الجمعية حيث تكون للسلطة التشريعية الغلبة على باقي السلطات.

1- النظام الرئاسي :

وهو النظام الذي يشهد فصل شبه مطلق بين السلطات وتكون الغلبة فيه للسلطة التنفيذية ومثاله الابرز هو النظام الامريكي، حيث انتخاب الرئيس بشكل مباشر من المواطنين حيث له سلطات واسعة ومطلقة ولا يوجد منصب رئيس وزراء ولا هيئة مجلس وزراء بل الوزراء هم مجرد سكرتارية لدى الرئيس وهو غير ملزم بآرائهم بل هم ينفذون قرارات الرئيس، فلا تضامن بين الوزراء والوزراء غير مسؤولين أمام البرلمان الذي لا يحق له سحب الثقة في الوزراء ، فالرئيس وهو على رأس السلطة التنفيذية في النظام الامريكي في مركز اقوى من البرلمان .

كما أن السلطة التنفيذية أو الإدارة والرئيس الامريكي لا يحق له دعوة البرلمان ( الكونغرس) أو فض دورة انعقاده ، كما لا يحق لها اقتراح القوانين أو اعداد الميزانية .

ورغم ذلك فالفصل بين السلطات ليس مطلقا وإنما يحق للرئيس الاعتراض على مشروعات القوانين التي يوافق عليها البرلمان ولكن اذا اعاد البرلمان اقرارها بأغلبية الثلثين يصبح القانون نافذ .

كما يمنح الدستور الامريكي للبرلمان بعض الامتيازات والسلطات في تعيين بعض كبار الموظفين كالسفراء وقضاة المحكمة العليا الاتحادية ، كما يلزم الدستور الرئيس في مراعاة رأي مجلس الشيوخ في السياسة الخارجية وموافقته ضرورية لنفاذ المعاهدات الخارجية.

2-    نظام الجمعية

يحمل نظام الجمعية صورة من صور الحكم والنظم السياسية والتي بعكس الصورة السابقة تكون في هذه الصورة الهيمنة والغلبة للسلطة التشريعية على باقي السلطات ، وقد اخذت بهذا النظام عدد من الدول وخاصة في المراحل الانتقالية من حياتها مثل فرنسا وغيرها ، الا ان النموذج الاهم والوحيد حاليا حسب علم الباحث هو النظام السويسري وهو نظام حكم مستقر ويوفر للدولة السويسرية مقومات الوحدة والبقاء والمركز المرموق بين الدول .

وعليه دراسة هذا نظام الجمعية نركز على النظام السويسري كنموذج ناجح ومستقر للتطبيق هذا النظام، ففي النظام السويسري وهي دولة اتحادية تتكون من عدد من المقاطعات له نوع من الاستقلال في انظمته الداخلية وقوانيينها وممثليها مع اتحاد بين باقي المقاطعات ، يوجد الجمعية الاتحادية وتمثل البرلمان ويتكون من غرفتين مجلس شعب على مستوى كامل الدولة على اساس التمثيل النسبي نائب عن كل 250 الف مواطن سويسري ، ومجلس المقاطعات وفيه ممثلين عن كل مقاطعة وفق انتخابات داخل كل مقاطعة ، وتتمتع الجمعية الاتحادية بصلاحيات واسعة وسلطات واسعة حيث تقوم بانتخاب اعضاء المجلس الاتحادي ( السلطة التنفيذية ) ورئيس المجلس ونائبه وعلى هذا المجلس ان ينفذ السياسات التي تحددها الجمعية الاتحادية ورئيس هذا المجلس الذي ينتخب لمدة سنة واحدة ولا يجوز انتخابه لسنتين متتاليتين يكون رئيس للدولة ( بشكل فخري) ورئيس للمجلس الاتحادي ، ومن صلاحيات الجمعية الاتحادية :

 والمتتبع لصلاحيات الجمعية الاتحادية يظهر له جليا طغيان وهيمنة السلطة التشريعية على باقي السلطات في الدولة فالجمعية الاتحادية هي التي تنتخب اعضاء المجلس الاتحادي والمحكمة الاتحادية

مما يبقى اعضاء المجلس الاتحادي خاضعين للبرلمان ويحول المجلس الاتحادي لمجرد هيئة تنفيذية تابعة للبرلمان ، اذ يجوز للبرلمان ان يوجه الاوامر والتعليمات التي يراها ضرورية ويستطيع ان يعدل او يلغي قرارات المجلس الاتحادي وان يوجه الاسئلة والاستجوابات لاعضائه وفي المقابل لا يحق للمجلس ان يحل البرلمان وفي حال وقع خلاف بين المجلس والجمعية الاتحادية كان القرار الاخير بيد الجمعية الاتحادية على المجلس ان يتراجع عن موقفه على انه لا يحق للجمعية ان تعزل اعضاء المجلس طوال مدة انتخابهم 4 سنوات .

 3-    النظام البرلماني

يعد النظام البريطاني النموذج الاول والتاريخي للنظام البرلماني كنظام سياسي حيث يوجد ملك يمثل رمزية للبلاد بصلاحيات فخرية شرفية ، مع وجود برلمان منتخب من غرفتين مجلس اللوردات ومجلس العموم ، ويوجد مجلس وزراء ورئيس مجلس وزراء بيده السلطة التنفيذية ويتميز هذا النظام البرلماني بعدة سمات اهمها :

 ازدواجية رئاسة السلطة التنفيذية

رئيس دولة غير مسؤول امام البرلمان على اعماله ومستقل عن البرلمان وبقائه في منصبه لا يتوقف على ارادة البرلمان ، لذلك ذهب البعض الى ان هذا النظام لا يصلح الا في الانظمة الملكية الدستورية متأثرين بالأصل التاريخي لهذا النظام.

وسواء طبق هذا النظام في الانظمة الملكية او الجمهورية فان رئيس الدولة سواء تم انتخابه مباشرة بالاقتراع العام او من نواب البرلمان الا ان البرلمان لا يجوز له عزل الرئيس او مسائلته سياسيا عن اعماله بينما يسئل جنائيا عن جرائمه في حال الانظمة الجمهورية .

مما يتطلب ان يكون اي قرار تنفيذي ممهور بتوقيع احد الوزراء ليتم مسائلة الاخير واهم صلاحيات الرئيس اختيار رئيس مجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة

    وفي المقابل رئيس وزراء ووزراء مسؤولين امام البرلمان يمكن مسائلتهم وحجب الثقة عنهم واقالة الحكومة  فهم مسؤولين مسؤولية سياسية وجنائية مسؤولية فردية وتضامنية

فصل مرن ومتوازن بين السلطات

يحقق النظام البرلمان فصل مرن وغير جامد وفصل متوازن ومتساوي بين السلطات مما يحقق التعاون بين السلطات والتأثير المتبادل بينها

فالسلطة التنفيذية لها الحق في دعوة البرلمان للانعقاد وفض دورات انعقاده ، ولرئيس الدولة الحق في حل البرلمان ولها الحق في المشاركة في التشريعات من خلال الاقتراح والتصديق

بينما يحق للبرلمان توجيه الاستجواب والاسئلة وحجب الثقة عن الحكومة او بعض وزرائها وتشكيل لجان التحقيق والرقابة على اعمال السلطة التنفيذية 

 

رابعاً

نظام الحكم في فلسطين وتبنيه لمبدأ الفصل بين السلطات

ينص القانون الاساسي الفلسطيني المعدل لسنة (2005) على أن نظام الحكم ديمقراطي نيابي على اساس مبدأ الفصل بين السلطات

حيث ثنائية الجهاز التنفيذي ، وحيث منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية والمنتخب بالاقتراع العام المباشر ، ورئيس مجلس الوزراء والمكلف بتشكيل الحكومة من قبل رئيس السلطة الوطنية والذي يجب ان يحصل على ثقة المجلس التشريعي .

نظم القانون الاساسي صلاحيات رئيس السلطة وحالات شغور منصبه وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة ويتولى الشؤون الخارجية من تعيين ممثلي السلطة في الخارج وعزلهم واعتماد الممثلين الاجانب لدينا والتصديق على القوانين والاعتراض عليها والعفو الخاص وصلاحية اصدار قرارات لها قوة القانون في حالة الضرورة ويكلف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة التي تساعد الرئيس في القيام بمهامه وممارسة سلطاته .

اما السلطة التشريعية فيتولاها المجلس التشريعي المنتخب مباشرة بالاقتراع العام والذي يتولى وظيفة التشريع ووظيفة الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية.

ويدعو رئيس السلطة المجلس للانعقاد في بداية كل دورة عادية ويحق للمجلس التشريعي توجيه الاسئلة واستجواب الوزراء وطرح الثقة بهم واقرار مشروع قانون الموازنة العامة ويعرض عليها الحساب الختامي لميزانية السلطة .

هناك فصل مرن ومتوازن بين السلطات مع اغفال النص على حق الرئيس في حل البرلمان وفق ما اهم خصائص النظام البرلماني

الرئيس غير مسؤول سياسيا امام البرلمان ولكن مع صلاحيات واسعة

رئيس واعضاء مجلس الوزراء مسؤولين جنائيا وسياسيا امام الرئيس واما المجلس التشريعي

انتخاب الرئيس بشكل مباشر من الشعب يعطي للرئيس قوة في مواجهة المجلس التشريعي مما يخل ببعض عناصر النظام النيابي وفق الاصل التاريخي له .

 

خامساً

دور مبدأ الفصل بين السلطات في ترسيخ الديمقراطية

وحفظ الحقوق والحريات

يحقق مبدأ الفصل بين السلطات دور مهم في مجال الديمقراطية وحماية الحقوق والحريات العامة نذكر بعض العناصر كالتالي:

يحقق التداول السلمي للسلطة والانتقال السلس للحكم

يوفر تمتع المواطنين بالحقوق السياسية من ترشح وانتخاب والعضوية في المجلس التشريعي والحق في تشكيل الحكومات والمشاركة في الحياة العامة والسياسية

الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية وكشف انحرافاتها من خلال المسائلة السياسية والرقابة ولجان التحقيق التي يتولاها المجلس التشريعي وصلاحيات توجيه الاسئلة والاستجواب للوزراء وصولا لسحب الثقة واستبدال الوزير او الحكومة بأكملها

الفصل بين السلطات يمنع استبداد السلطات الحاكمة

الرقابة والشفافية تحد من تجاوز القانون وانتهاك حقوق الافراد وحرياتهم وتصون المال العام والمصلحة العامة وتراقب توفير الخدمات العامة للمواطنين

وعليه مبدأ الفصل بين السلطات احدى اهم دعائم الحكم الديمقراطي الذي يصون الحقوق والحريات العامة ويحترمها ويحميها ويكفل ممارستها دون مصادرة او منع او تضييق .

2015-09-20 09:42:00