منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

احتمالات انشقاق نتنياهو عن الليكود

احتمالات انشقاق نتنياهو عن الليكود

د.خالد شعبان

 

تُعتبر الأحزاب على الساحة الحزبية الإسرائيلية متباينة التوجهات والائتلافات، ولذلك فهي تخوض الانتخابات في كل مرة بشكل جديد، يدعم فرصها في الوصول الى مقاعد الكنيست. وتُعتبر عملية الانشقاق والائتلاف ظاهرة موجودة ومعروفة منذ نشأة إسرائيل، وقام بها قادة الأحزاب الكبيرة في إسرائيل، فقد انشق ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل الأول عن حزب الماباي وشكل حزب رافي عام 1964، وكذلك انشق أرائيل شارون عام 2005 عن الليكود وأسس كاديما، وانضم إليه الزعيم التاريخي لحزب العمل شمعون بيرس وذلك نتيجة لخلافات سياسية وحزبية تتعلق بمستقبل إسرائيل وتطورهاً والتساؤل الذي نطرحه من خلال هذا التقرير، هو هل يمكن أن ينسلخ نتياهو عن الليكود ويقوم بتأسيس حزب جديد، في حالة  اصرار أعضاء الليكود على توجههم اليميني وعدم التعاطي مع العملية السلمية.

توجهات نتنياهو اليمينية

يعتبر نتنياهو قائداً لليمين في إسرائيل بشكل عام، ويعترف بذلك جميع منافسيه سواء داخل الليكود أو خارجه، ويعود لنتنياهو الفضل في إعادة الليكود الى الحياة السياسية والسلطة والحكم بعد الانهيار الذي حدث في الليكود بانسحاب شارون 2005 وأنصاره وتشكيل حزب كاديما وحصول الليكود على 12 مقعد فقط في الكنيست السابعة عشرة 2006، حيث نجح نتنياهو في إعادة الليكود الى السلطة في انتخابات الكنيست الثامنة عشرة 2009، والتي شكل فيها الحكومة مع اليمين المتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان زعيم اسرائيل بيتنا حيث تميزت سياسة نتنياهو بالانهيار السياسي في الامم المتحدة والهزيمة الدبلوماسية الاسرائيلية المهينة عند حصول الفلسطينيين على موافقة الأمم المتحدة على قبول فلسطين كدولة مراقب غير عضو، وقد استمرت هذه الحكومة حتى عام 2013.

اعتبرت سنوات حكم نتنياهو 2009/2013 سنوات عجاف على إسرائيل وعلى عملية التسوية السلمية مع الفلسطينيين، حيث لم يكن هناك أية اتصالات مع السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي اعتبرت في حينه أنه لا يوجد شريك إسرائيلي لها في المفاوضات، رغم خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان 2009 والذي تناول فيه موضوع ان الحل  يكون في حل الدولتين. ثم بعد ذلك اختفت جميع مفردات العملية السلمية من خطابات نتنياهو. استطاعت حكومة نتنياهو خلال تلك الفترة العمل على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية وزادت من تهويد مدينة القدس بالإضافة  إلى اتخاذ مجموعة من السياسات الموجهة ضد السلطة الوطنية مثل عدم تحويل أموال الضرائب، وكذلك شن حرب على قطاع غزة في 14/11/2012، كل هذه السياسات أدت إلى استمرار نتنياهو زعيماً لليكود واليمين بشكل عام وفوزه في انتخابات الكنيست التاسعة عشرة يناير 2013.

نتنياهو وإدارة الصراع

سادت حالة من الجمود في فترة الحكم السابقة لنتنياهو، حيث اتضح للفلسطينيين أن نتنياهو غير معني بحل الصراع وإنما ما يقوم به هو إدارة للصراع، وقد يكون ذلك هو الركيزة الأساسية لائتلاف الليكود/ إسرائيل بيتنا، كما رافق الانتخابات الإسرائيلية متغير دولي آخر له تأثيره على السياسة الإسرائيلية، وهي وجود إدارة أمريكية جديدة وهي الفترة الثانية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس باراك أوباما.

كما تميزت هذه المرحلة منذ بدايتها بتطور هام وهي مجموعة من الرؤى والأفكار التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للوصول إلى تسوية للصراع من خلال المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك عقب جولة مطولة ومكوكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

سيطرة أعضاء اليمين على مؤسسات الليكود

أدت نتائج الانتخابات داخل مؤسسات الليكود والتي جرت في حزيران 2013 إلى سيطرة واضحة لمجموعة من القيادات الشابة غير المحسوبة على نتنياهو والتي تتميز باعتبارها إنتجلنتسيا يمينية جديدة داخل حزب الليكود، والواضح من النتائج أن نتنياهو فشل في إدارة السياسة الحزبية الداخلية، التي قد تؤدي الى فقدان سيطرته على الليكود، وبالتالي إلى خسارة حزب الليكود.

ولكن الواضح من سلوك نتنياهو في الانتخابات الداخلية هو عدم دعم أشخاص ومرشحين من طرفه، حيث تخوف نتنياهو من خسارتهم وبالتالي  فإنه لم يدفع بمرشحين ولم يدعم أحداً وتخلى عن الساحة الحزبية لصالح خصومه، ودلت النتائج على ما يلي:

* داني دانون نائب وزير الدفاع فاز برئاسة اللجنة المركزية لحزب الليكود، وهو أيضاً رئيس مؤتمر الليكود، وبالتالي فإن له القدرة على اتخاذ قرارات حول كافة شؤون الحزب، خاصة وأن المؤتمر يملك  قدرة على تفسير وتعديل دستور الحزب، وتدل توجهات دانون الحزبية على رفض الاندماج مع حزب إسرائيل بيتنا، رغم أن دانون هو أحد المهاجرين الروس، وتدل آراؤه السياسية أنه ضد التوقيع على اتفاقية سلام مع الفلسطينيين.

* زئيف إليكين – نائب وزير الخارجية، فاز برئاسة المكتب السياسي والذي يعتبر الهيئة الأيديولوجية للحزب، ويحمل إيلكين مواقف يمينية متطرفة، ورغم أنه يهودي روسي متدين، إلا أنه يرفض الاندماج مع إسرائيل بيتنا.

* إسرائيل كاتس، وزير المواصلات سكرتير الحزب، وتعتبر السكرتاريا عملياً مجلس إدارة الحزب، وهي الهيئة التي تنتخب مدير عام حركة الليكود، وهو من الشخصيات التي كانت محسوبة على نتنياهو في فترات سابقة.

* ميخائيل كلاينر، رئيس محكمة الليكود، وهو أحد اليمينيين داخل الليكود ويترأس جبهة أرض اسرائيل داخل الليكود، ويحمل أفكاراً يمينية متطرفة[1].

وتدل النتائج على أن هذه الانتخابات شكلت انتقال القيادة من الجيل القديم الى الجيل الجديد الذين ينتمون إلى الصقور، فالملاحظ أن فوز دانون يعتبر الأهم في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود كونه أحد أبرز أعضاء الكنيست تطرفاً وبالتالي سيضع العراقيل أمام تقدم المسيرة السلمية لدى نتنياهو، وبالتالي فإن أهم أهداف دانون هو إحراج نتنياهو قدر الإمكان، حيث أكد دانون أكثر من مرة أن حزب الليكود والحكومة يعارضان قيام دولة فلسطينية كما أن الحكومة تفعل كل ما في وسعها من اجل منع إقامة دولة فلسطينية[2]، في ذات الوقت الذي يتعامل فيها نتنياهو من جهود كيري لإحياء عملية التسوية، ولكن الواضح أن فوز دانون لا يعني قوته بقدر ما يدل على ضعف نتنياهو.

والواضح من النتائج أن نتنياهو لا يملك رجالاً في الليكود لصالحه، كما لا توجد لديه كتلة، ولو أننا كنا في منتصف فترة الكنيست لكان هناك اتجاه قوي نحو إجراء انتخابات برلمانية جديدة، والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل استمرار جولات وزير الخارجية الأمريكي، وإذا ما تم التوصل إلى تفاهمات مع اتفاق إطار مع الجانب الفلسطيني، وإذا ما عارضت هذه القوى اليمينية في الليكود، هل يستطيع نتنياهو الانسحاب من الليكود وتشكل قائمة جديدة.

احتمالات الانشقاق عن الليكود

الواضح من تركيبة الليكود الحالية في الكنيست، وكذلك من قضايا المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أن نتنياهو لا يستطيع الانشقاق حيث لا يملك نتنياهو أجندة شارون، كما أن لا أحد يحلم بالانشقاق معه، والواضح من الشكل الحالي لليكود أن نتنياهو لا يمكن أن يتمكن من المنافسة على رئاسة الليكود مرة أخرى، خاصة أنه لا يمتلك مؤيدين له داخل مؤسسات الليكود، ويبدو أن نتنياهو تنبه لهذه القضية مما اضطره للمصالحة مع الشخصيات القيادية داخل مؤسسات الليكود وذلك بعد أن تصالح مع داني دانون، وكذلك مع إسرائيل كاتس ، وزئيف إليكين ورئيس كتلة الائتلاف ياريف ليفين، الأمر الذي أدى الى تصاعد شعبية نتنياهو داخل حزب الليكود.

والواضح أن ما يحدث في مؤسسات الليكود أعاد الحزب إلى فترة قيادة شارون لليكود، حيث كانت المؤسسات نشطة وفعالة ، وحيث حارب شارون مؤسسات الليكود أيضاً، لكنه كان قوياً، وفي أحيان كثيرة انتصر، وعندما كان يخسر كان يملك الأدوات التي تحول خسارته الى انتصار لدى الرأي العام.

أعضاء الليكود وجولات كيري

مع بداية زيارات كيري رفض بنيامين نتنياهو خطة كيري باستئناف المفاوضات، والتركيز على بداية على قضيتي الحدود والأمن، وطالب نتنياهو بطرح جميع القضايا المتعلقة بالحل الدائم على طاولة المفاوضات، كما نفى نتنياهو أن يكون هناك اتجاه نحو تجميد الاستيطان، ومع انطلاق عملية المفاوضات حاول نتنياهو استرضاء المستوطنين واليمين الإسرائيلي من خلال الإعلان عن بناء وحدات سكنية في المستوطنات، كما أكد نتنياهو أن التسوية مع الفلسطينيين يجب أن تقدم على أساس الجيش الإسرائيلي وليس قوات الأمم المتحدة[3] والواضح أن نتياهو اتجه نحو التسوية مع الفلسطينيين خوفاً من الوصول الى دولة ثنائية القومية، وكذلك أصبح نتنياهو بعد هذا التوجه في اليمين من جهة المواقف، ومن جهة الخطابة فقد أصبح في اليسار[4]، وهو أيضاً ما يتضح من توجهات أعضاء حزب الليكود فمعظم أعضاء الليكود بيتنا يعارضون بشكل حاد حل الدولتين ومنهم بوجي يعلون وزير الدفاع، وكذلك الأعضاء نائب وزير الخارجية زئيف الكين، وكذلك حوتفيلي، يارييف ليفين، يولي ادلشتاين ، ساعر، روتم، ريغيف ، فكل أولئك لن يؤيدوا حل الدولتين، وكلهم قادرون على تشكيل خصوم عنيدون لبنيامين نتنياهو.

تدل المؤشرات على أن نتنياهو يخوض في واقع حزبي سياسي يشبه جداً الواقع الذي اصطدم به شارون في حينه، لكن نتنياهو ليست لديه القدرة على الانسحاب، فهو لم يستطع اتخاذ أية اجراءات ضد تصريحات دانون عندما عارضه في بعض القضايا السياسية[5] وبالتالي فإن نتنياهو سيتبع سياسة التسويف في عملية التسوية مع الفلسطينيين[6] ، وهو الأمر الذي سيجعله محافظاً على زعامة الليكود في الانتخابات المقبلة، وكذلك زعيماً لليمين الصهيوني بشكل عام.

 



[1] برهوم جرايسي، الليكود ما بين اليمين المتشدد واليمين المنفلت، المشهد الاسرائيلي 9/7/2013

[2] ( معاريف 9/6/2013 )

[3] (معاريف 10/9/2013)

[4] (سيما كدمون، نهض بالتدمير يديعوت 3/5/2013)

[5] (ابراهام تيروش، شرخ، فاسد، معاريف 12/6/2011)

[6] (تشيلو روزنبرنج، دانون صدق أفق القول 10/6/2013)

2014-03-11 16:56:00