منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

كتاب محاضرات في الأمن القومي

محاضرات في الأمن القومي

نظرية الأمن الإسرائيلية وعملية السلام


 


مقدمة

 

 

جمال البابا

 

تحدد العقيدة الأمنية المخاطر والتهديدات وسبل العلاج وتعطي الأولوية لكل منهما بطريقة تستغل مزايا الدولة وعوامل القوة فيها وتقلل من عيوبها، هذه الأولوية تمثل جانباً هاماً من العقيدة الأمنية والاستراتيجية، خاصة في حالة الدولة الصغيرة المفتقرة للعمق الإستراتيجي وتعيش في وسط تكتنفه التهديدات والمخاطر، ونتيجة إحساس إسرائيل بمشكلتها الجيوبولتيكية في ظل غياب العمق الإستراتيجي وصغر المساحة والشكل الطولي وأطوال الحدود التي لا تتناسب مع مساحتها ووجودها في وسط معادي، تبنت إسرائيل عدة خيارات لمعالجة هذه المشكلة من خلال تطوير عقيدتها الأمنية التي تأثرت بالمعطيات سالفة الذكر.

لقد ارتبط مفهوم الأمن لدى إسرائيل بمفهوم السيطرة والتوسع، مقترناً بالقوة العسكرية، وذلك حسب تطور أوضاعها، حيث استخدمت إسرائيل مصطلح الأمن كقناع لاستمرار سيطرتها وتوسعها، وبذلك يصبح الأمن لديها وسيلة وليس هدفاً، مع ارتكازها على إرادة البقاء بالقوة والتي يتولد عنها ثلاثة مفاهيم أساسية، الأمن، العنف، حتمية الحرب، مع تأكيد الاعتماد على مساند خارجي متمثل بالولايات المتحدة، وهنا لابد من التأكيد على أن مفهوم الأمن وعلاقته بالأرض والسيطرة قد مر بأربعة مراحل، مرحلة القاعدة الاستيطانية، مرحلة تحويل القاعدة إلى دولة، مرحلة التوسع وأخيراً مرحلة الهيمنة، مما يعني أن مفهوم الأمن الإسرائيلي ليس مفهوماً جامداً، بل يتبدل باستمرار تبدل الظروف السياسية والعسكرية المحيطة وبصفة عامة منذ قيام دولة إسرائيل وحتى اللحظة مازال الهاجس الأمني مهيمناً على عقول الإسرائيليين وصناع القرار فيها، فهم يدَّعون أنهم خاضوا اكثر من خمسة حروب في سبيل الحفاظ على وجودهم وتوسيع رقعة كيانهم لتحسين شروط الدفاع عنه، وهم يدَّعون أيضاً أن إسرائيل مازالت تواجه المخاطر والتهديدات الأمنية، لذلك فمن الطبيعي أن يبقى موضوع الأمن مسيطراً "بصورة مبالغ فيها" على أذهانهم رغم اتفاقيات السلام.

في هذا الإطار ينظر الإسرائيليون إلى الأمن بمفهومه الشامل بأنه لا يقاس فقط بالقوة العسكرية والقدرات العملية لمواجهة التهديدات والمخاطر، بل إن الأمن يجب ان يوفر الإحساس بالأمان الذي تتطلبه الحياة اليومية الروتينية، لذلك فإنهم ينظرون إلى الترتيبات الأمنية الدائمة التي يجب أن تتضمنها أي إتفاقية سلام بأنها ذات أهمية كبيرة ويجب أن تؤدي هذه الترتيبات بالضرورة إلى القضاء على التهديدات وتقليل المخاطر.

ورغم إقرار الإسرائيليين بالإسهام المشترك للسلام في قضية ترسيخ الأمن إلا أنهم لا يقرون بأن السلام نفسه سيكون بديلاً عن الأمن، فالسلام من وجهة نظرهم يقوي ويدعم الأمن ولكن ليس بديلاً عنه، لذلك فإنهم ينظرون إلى الترتيبات الأمنية المتينة في أي اتفاقية سلام بأنها ستقوي السلام والإستقرار الإقليمي، وهذا عكس الفهم العربي بأن السلام هو ما يجلب الأمن ويقويه ويؤدي إلى الإستقرار والتنمية.

لقد هدفت مجموعة المحاضرات التي احتوتها دفتي الكتاب بالدرجة الأولى إلى معالجة العلاقة بين نظرية الأمن الإسرائيلية وعملية السلام من خلال الإجابة على سؤال محدد هو: هل يمكن المزاوجة بين نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على التوسع وفرض مبدأ القوة وبين عملية سلام حقيقية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية؟ ومن خلال استعراض محتوى المحاضرات، إتضح وبشكل جلي أنه لا يمكن ان تستقيم أي عملية سلام حقيقية في ظل تمسك حكام إسرائيل بهذا الفكر الأمني الذي لم ينفك يقضم الأرض الفلسطينية، ويستحوذ على مواردها من خلال أنشطة استيطانية تخالف كل الإتفاقيات والمواثيق الدولية، الأمر الذي جرد عملية السلام من مضمونها الحقيقي ونسف حل الدولتين الذي يحظى بإجماع دولي.

ولكي تتضح الصورة ويكتمل المشهد، لابد من الإشارة إلى أن تعريف الأمن القومي الفلسطيني ومرتكزاته الرئيسية التي تتعارض تعارضاً مطلقاً مع التصورات الأمنية الإسرائيلية ورؤيتها لمخرجات العملية السلمية، فالأمن القومي الفلسطيني هو "مجموعة الإجراءات والتدابير التي تتخذها منظمة التحرير الفلسطينية لحماية حقوق الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني في مواجهة أي تهديدات وتحديات داخلية وخارجية، بما يحقق الوصول إلى الأهداف الوطنية في البقاء والحرية والإستقلال والعودة". أما المرتكزات الرئيسية للأمن القومي الفلسطيني والتي تعتبر الناظم الرئيسي لمواقف منظمة التحرير الفلسطينية من العملية السلمية يمكن تلخيصها بالآتي:

وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم من الزملاء في دائرة أبحاث الأمن القومي بالشكر الجزيل لما بذلوه من جهد وافر في إرفاد هذا الكتاب بمحاضراتهم القيمة.


2020-04-09 08:43:00