منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

هجرة الشباب الفلسطيني إلى الخارج (الأسباب.. المخاطر.. الحلول)

هجرة الشباب الفلسطيني إلى الخارج

(الأسباب.. المخاطر.. الحلول)

أ. غادة حجازي

 

مقدمة

تمثل الهجرة الدولية إحدى أهم القضايا التي تحتل صدارة الاهتمامات الوطنية والدولية في وقتنا الحاضر خاصة في ظل التوجه العالمي نحو العولمة الاقتصادية. تعتبر ظاهرة الهجرة من الظواهر الديموغرافية والاجتماعية الأساسية التي تؤثر في تحديد تغيير حجم السكان وتشكيل تركيبته النوعية والعمرية في آن واحد كما أن لها آثارها الاجتماعية والاقتصادية والصحية والسياسية وكذلك الثقافية[1].

إن ظروف حياة المجتمع سواء المادية، أو الاجتماعية، أو السياسية، أو البيئية هي التي تساعد الشباب على تلبية حاجاتهم وتمكنهم من أخذ أدوارهم في الحياة فإن كانت الظروف إيجابية استطاع الشباب ترجمة طموحاتهم وآمالهم من خلال تبني أنماط إيجابية للمشاركة في الأمور الحياتية، وإن كانت سلبية فإنها تقف عائقاً نحو تحقيق وإشباع حاجاتهم.

يرى (مصطفى حجازي) 2005 أن الهجرة تمثل هدر للطاقات والكفاءات الفتية، وهذا الهدر له آثاره على بناء المجتمع ونمائه وعلى صحة الإنسان وعافيته النفسية وعلى أمنه الاجتماعي[2].

بينت احصائيات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني حول واقع الشباب الفلسطيني في فلسطين لعام 2012 التالي: أن (3) أفراد من كل (10) في المجتمع الفلسطيني هم من الشباب حيث بلغت نسبة الشباب في الفئة العمرية من (15-29) سنة في الأراضي الفلسطينية ما نسبته (29.8%) من مجموع السكان، منهم (39.6%) في الفئة العمرية من (15-19) سنة، كذلك ما نسبته (60.4%) في الفئة العمرية (20-29) سنة. مع العلم أن عدد السكان في الأراضي الفلسطينية بلغ نحو (4.29 مليون) من المجموع الكلي للسكان في منتصف العام 2012. وكذلك أظهر التوزيع العمري للسكان بأن المجتمع الفلسطيني مجتمعاً فتياً حيث تبين الاحصاءات أن المجتمع الفلسطيني ثلثه تقريباً من الشباب وسيبقى على هذا الحال لسنوات قادمة[3].

مفهوم الهجرة الخارجية

تعتبر ظاهرة هجرة الشباب من الظواهر القديمة في غالبية دول العالم الثالث فهي ظاهرة اجتماعية نتيجة ظروف الحياة الإنسانية والبحث عن فرص أفضل للدراسة أو العمل أو الحياة.

وتتسبب الهجرة بغياب العناصر البشرية الحيوية اللازمة والمطلوبة لتحقيق العمليات الشاملة لمجتمع من المجتمعات في فترة زمنية محددة من حياته، واستمرار الهجرة واستقرار العنصر البشري خارج الوطن يعتبر خسارة استراتيجية.

ويندرج ذلك تحت هجرة أصحاب الكفاءات العقلية النادرة والخبرات العلمية العالية (هجرة الأدمغة أو العقول) التي يشكل غيابها خطورة على حياة المجتمع في حاضره ومستقبله.

إن طبيعة الهجرة الفلسطينية تختلف عن باقي دول المشرق لأنها هجرة قسرية فهي من أقدم الهجرات القسرية وأطولها عالمياً من حيث عدد اللاجئين الفلسطينيين المهجرين حيث بلغ عددهم منتصف عام 2000 بحوالي 3.7 مليون فلسطيني في الأردن ولبنان. فبعد معاناة النكبة والهجرة القسرية للشعب الفلسطيني وترك الوطن تلتها النكسة والنزوح لدول الجوار وترك الممتلكات.

إن هجرة المواطن الفلسطيني كانت هجرة قسرية كانون مكرهين عليها أما الآن الوضع مختلف فهي هجرة بمحض الإرادة خاصة من قبل المتعلمين والمثقفين فهي ظاهرة من الظواهر التي شاعت في السنوات الأخيرة لدى فئة الشباب الفلسطيني خاصةً من مختلف محافظات الوطن[4].

يَعتبر الشباب الفلسطيني الهجرة حلاً لمشكلتهم فالكثيرون تراودهم فكرة الهجرة للخارج لأنهم يروون فيها حلاً للخروج من الظروف الحياتية السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، النفسية التي يعانون منها. ولكن هذا يعتبر هروباً من المشكلة وليس حلاً جذرياً لها.

إذن ما هي الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطيني للهجرة لخارج الوطن؟

تتمثل الأسباب في عدة عوامل يمكن سردها على النحو التالي:

أولاً: الأسباب الاقتصادية:

تشير جميع البيانات الاحصائية لارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع الفلسطيني بشكل عام ولدى الشباب بشكل خاص. إذ أن أكثر من ثلث الشباب الفلسطيني يعانون من البطالة ونسبة البطالة في تزايد وارتفاع لدى فئة الشباب الأعلى تعليماً فحوالي نصف الخريجين عاطلين عن العمل. كما أن حوالي 40% من أفراد المجتمع الفلسطيني يعانون الفقر، وحوالي ربع الشباب الفلسطيني من الفقراء مع فارق كبير بين معدلات الفقر التي ترتفع في قطاع غزة بشكل أكبر منه في الضفة الغربية. فالفقر يعني استلاب الحرية، ويعني أيضاً كبح القدرات والطاقات الكامنة لدى الشباب لأجل تحقيق ذواتهم والمساهمة الفاعلة في مجتمعهم حيث الإحباط، واليأس، والاحساس باللاجدوى وانتقاص الكرامة الإنسانية التي يولدها الفقر والبطالة فتنتج المشاكل الاجتماعية والسياسية.

مما سبق يتضح أن سوء العامل الاقتصادي دفع الشباب الفلسطيني للهجرة بحثاً عن لقمة العيش وتحقيق الذات فقد أكدت العديد من الدراسات ارتباط الفقر والبطالة بارتفاع معدلات العنف المجتمعي والجريمة وتعاطي المخدرات وهذا ما نشهده في قطاع غزة خلال السنوات العشر الماضية الذي يعاني سكانه من حصار مستمر وتجريف للأراضي الحدودية وبطش المحتل الصهيوني من شن للحربين الأخيرين على غزة.

أشارت الدراسات أن نسبة (50.92%) من المهاجرين من الضفة الغربية وقطاع غزة يعللون سبب هجرتهم لوجود العمل في البلاد المستقبلة لهم وعدم توفره في فلسطين وهذا يرجع بسبب البطالة المتفشية بين الشباب في فلسطين فيدفعهم ذلك للهجرة من أجل إيجاد فرص عمل لتوفير دخل يعتاشون منه[5].

ثانياً: أسباب بيئية وأسرية:

تتمثل في أن الفرد ليس لديه فاعلية في ممارسة حياته في ظل الظروف البيئية الصعبة التي تحيط به فالهجرة تُعتبر بمثابة الهروب من الواقع المعاش وحالة عدم التكيف نتيجة الصراعات الأسرية الدائمة سواء على نطاق الأسرة الواحدة، أو المجتمع ككل.

 

ثالثاً: أسباب نفسية:

سوء الحالة النفسية لدى الشباب الفلسطيني من قلق وإحباط وتوتر وخوف على المستقبل نتيجة التخرج من الجامعة والبقاء بدون عمل فيلجأ الشاب للهجرة بعد أن يئس هو يحاول أن يبحث عن الاستقرار النفسي.

رابعاً: الوضع الفلسطيني الداخلي: الانقسام وتبعاته:

1- حالة الجمود السياسي وتضاؤل فرص انجاز المصالحة الفلسطينية أثر ذلك بالسلب على واقع الشباب الفلسطيني حيث حالة التشرذم والانقسام الداخلي التي أثرت سلباً على الكل الفلسطيني حيث أصبحت المناخات مهيئة للشباب الفلسطيني لرغبتهم للهجرة لخارج الوطن.

2- معاناة الشباب وإقصائهم عن المشاركة الاجتماعية والسياسية وتهميشهم السياسي في الأحزاب والفصائل السياسية وفي مؤسسات صنع القرار دفعهم لترك الوطن والهجرة للخارج.

خامساً: الأسباب الأكاديمية:

1- رغبة الشباب في الهجرة للخارج لطلب العلم وللدراسة في الجامعات. فنصف المهاجرين هاجروا لطلب العلم وعملوا في البلدان التي درسوا فيها ولم يعودوا للوطن بعد انتهاء دراستهم.

2- إن غياب سياسة وطنية واضحة محددة للتعليم العالي في فلسطين فضلاً عن فقدان رؤية موحدة حول دورها في عملية التنمية والذي ينعكس على طبيعة البرامج الأكاديمية التي تطرحها هذه الجامعات ونوعية أداءها.

3- إن عدم توفر بعض التخصصات في الجامعات والمعاهد المحلية رغم وجود تخصصات مكررة في العديد منها، وارتفاع متطلبات بعض هذه التخصصات يدفع الطلبة للبحث عنها في الخارج.

سادساً: الأسباب الاجتماعية:

أ- تتمثل في الشعور بالانتماء أكثر نحو الوطن الجديد من قبل المهاجرين حيث يتبين أن المهاجر بعد قضاء سنوات الدراسة الطويلة بالخارج خاصة لطلاب الدكتوراه وبعد تكيفه الجديد مع المجتمع وتشرب ثقافته يصبح أكثر ارتباطاً بالدولة المستقبلة له ويكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بقيمها، وعاداتها، وتقاليدها، ونظم حياتها وهذا ليس في صالح الشباب الفلسطيني لذا عندما يقرر الشباب العودة للبلد الأم لا يستطيعون اتخاذ القرار بذلك فيكتفون بزيارة الأهل في وطنهم والعودة للبلد التي تم الهجرة إليها لعدم التوافق والتكيف بعد فترة غياب طويلة.

ب- الكثير من الذين تغربوا (العائدين) يفتقدون إلى تقدير ذواتهم عند العودة لوطنهم.

ت- ضعف وانعدام تقبل التغير بالوطن فأعداد كبيرة من أبناء الدول النامية الذين يتلقون تعليمهم بالخارج ويعودوا ليجدوا مجتمعاتهم لا تستطيع أن تتوافق بسرعة مع ما يجري في مجتمعات العالم المتقدم تكنولوجياً فيفضلون البقاء حيث هم.

ث- الغالبية ممن هاجروا كونوا أسراً وأنجبوا أطفالاً ويصعب عليهم الرجوع للوطن وقطع تعليم أولادهم إذا لا يوجد عند الآباء المهاجرين ضماناً لمستقبل أبنائهم ووظائفهم في البلاد الأم.

يتبين مما سبق أن الشباب الفلسطيني لهم خصوصيتهم خصوصية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين فالمخطط الإسرائيلي يعمل دائماً على زيادة أعداد المهاجرين اليهود من الخارج لدول العالم حيث أوضاعهم ممتازة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي لإسرائيل في حين نجد على العكس هجرة الشباب الفلسطيني من الداخل ومن القدس والضفة الغربية وقطاع غزة في تزايد أعداد المهاجرين لخارج الوطن.

فضيق الحياة بسبب الاحتلال وحواجزه ونقاط التفتيش، والحصار الخانق، والتراجع التدريجي في مستوى الحياة اليومية حيث تتحول تفاصيل الحياة اليومية لعبء ثقيل ففي الضفة الغربية ينعزل الشباب في مناطق محاطة بالجدران والحواجز أما في غزة فحدث ولا حرج لأن القطاع الصغير المساحة المزدحم بالسكان الذين لا يتسع لهم يضيق أكثر في زمن الحصار وفي زمن الحروب، وزمن الاقتتال الداخلي، ومنع السفر والملاحقات... إلخ.

كما أن سياسة الاحتلال الإسرائيلي المتعنتة من إغلاقات مستمرة للمعابر وحصار جائر على قطاع غزة دفع ذلك بالشباب الفلسطيني للسعي للهجرة مؤكدين على أن حالة الانقسام والفرقة الداخلية هي العنصر الأساسي في التفكير بالهجرة لخارج قطاع غزة[6].

إن ظاهرة الهجرة للشباب الفلسطيني من أخطر الظواهر والمشاكل في المجتمع الفلسطيني لها سلبياتها خاصةً عندما تصل لمستوى من الاتساع فتتحول لعملية طرد مركزي للشباب الأكثر طموحاً فالإنسان في بلد المهجر لا يبني وطناً فهو قد ينجح وقد يفشل لكنه يظل خارج المكان الذي تتراكم فيه أعباء الحياة وتتعمق فيه الجذور.

تأسيساً عما سبق يمكن القول أن للهجرة الخارجية عوامل وأسباب اقتصادية، واجتماعية وسياسية، وثقافية كلها عوامل تشكل ضغوطاً حياتية يتعرض لها الأفراد يومياً خاصة فئة الشباب لكونهم الأكثر حساسية في أي مجتمع نظراً لأنهم في مرحلة عمرية تتطلب البدء في بناء المستقبل سواء على الصعيد الشخصي، أو الأسري، أو الوطني.

دراسات سابقة عن هجرة الشباب تكشف مخاطر الهجرة لخارج الوطن:

1- دراسة معهد "ماس" حول هجرة الأدمغة من المجتمع الفلسطيني (2008).

تمت الدراسة على عينة من الكفاءات المتواجدة في فلسطين في قطاعي الصحة والتعليم بعد أن حصروا العاملين في هذا المجال قاموا بدراسة مجموعة منهم باستخدام استبيان يشمل على عدد الكفاءات الذين تركوا عملهم في مؤسسات السلطة وسافروا للخارج، تبين أن مؤسسات السلطة ليس لديها أي معلومات عنهم. عند ذلك لجأ الباحثون للسفارات الأجنبية، والممثليات العربية ولم تتوافر أي بيانات فاضطر الباحثون لإضافة أسئلة للاستبيان موجهة لعينة من الأسر في مدينة رام الله لسؤالهم إذا ما كان هناك أفراداً مهاجرون من هذه الأسر أم لا؟ [7].

2- دراسة صلاح عبد العاطي- هجرة الشباب الفلسطيني للخارج:

تحدث عن بدايات الهجرة لأوروبا وذلك في أواسط القرن الماضي وبالتحديد بعد نكبة 1948م حيث هاجرت بعض المجموعات الفلسطينية إلى بريطانيا أولاً واستمرت الهجرة وازدادت بعد نكسة 1967م، وبعد مذابح أيلول الأسود في الأردن عام 1970م، وبعد الحرب الأهلية في لبنان، ومجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 التي ارتكبها كل من السفاح شارون، وجعجع، وحبيقة، جميع هذه المآسي دفعت بالشباب الفلسطيني في لبنان للهجرة للخارج بحثاً عن الأمن، فهاجروا إلى السويد، والدانمارك، وهولندا، وفنلندا، وألمانيا، وبلجيكا، والنرويج... إلخ.

ازدادت الهجرة في أوائل التسعينات من القرن الماضي بعد حرب الخليج الثانية وطردت الجالية الفلسطينية من الكويت، وأجبر العديد من الفلسطينيين على الهجرة كما أجبروا قسراً بالقوة على ترك مدنهم وقراهم عام 1948م.

أيضاً في أعقاب الانتفاضة الأولى عام 1987، والانتفاضة الثانية عام 2000 ازدادت هجرة الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى دول شمال أوروبا كالسويد والدانمارك والأغلبية جاءوا إلى النرويج منهم من ذهب للدراسة، ومنهم من ذهب لطلب الأمن ونعمة العيش تاركاً وراءه معاناة الأهل والأحبة. حيث يقدر عدد الفلسطينيين في النرويج (لأربعة آلاف) من مجموع المهاجرين الفلسطينيين[8].

3- دراسة مركز الاحصاء الفلسطيني عن الهجرة في الأراضي الفلسطينية (2010):

تم اختيار عينة طبقية عنقودية عشوائية منتظمة لتنفيذ هذا المسح حيث بلغ حجم العينة (15.050) أسرة منها (9.900) أسرة في الضفة الغربية، و(5.150) أسرة في قطاع غزة. نتج عن الدراسة أن: (6.7%) من الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لديها مهاجر واحد على الأقل. كما قدر الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني معدل المهاجرين السنوي خلال السنوات من 2005-2009 بحوالي (6570) مهاجر، وبلغ أدنى مستوى للهجرة خلال هذه السنوات في عام 2006 حيث قدر عددهم بـ (5205) مهاجر كما سجل أعلى مستوى للهجرة لدى الفلسطينيين عام 2008 حيث قدر عددهم بـ (7390) مهاجر[9].

4- دراسة د. شريف كناعنة (2000):

أكد في دراسته على أن الهجرة أو التهجير في حياة الفلسطيني ليست طوعية أبداً بل هي قسرية وناتجة بشكل مباشر عن ظروف يخلقها الاحتلال عن قصد حيث يشير كناعنة في دراسته التي اعتمد فيها على تحليل وثائق كتبها الإسرائيليون مثل بني موريس، وغيره من المؤرخين الجدد أن طرد، وترحيل، وتهجير الفلسطينيين بالطرق المباشرة، وغير المباشرة هي إحدى الأيديولوجيات التي قامت عليها، وتبنتها الحركة الصهيونية منذ نشوؤها والتي تنطلق من رغبتها في محو وطمس القضية الفلسطينية عن طريق تهجير سكانها، أو دفعهم إلى الهجرة تمهيداً لبناء (مملكة اليهود) على كامل الأرض الفلسطينية.

والعمل على استقطاب عشرات المهاجرين الروس، والأوروبيين، والفرنسيين وغيرهم ليحتلوا أماكن السكان الأصليين[10].

5- مركز دراسات التنمية (2004):

استند التقرير على آخر تقارير دائرة الإحصاء المركزية حيث أكد هذا التقرير على تزايد نسبة الهجرة الداخلية خصوصاً في الثلاث سنوات التي تلت قدوم السلطة الفلسطينية (1994-1997م) بحيث وصلت هذه النسبة إلى (29.1%) مقارنة بمعدل نسبة الهجرة الداخلية السنوية والذي يصل إلى (17.2%) وأن نسبة 5% من المبحوثين الذين شملتهم عينة الدراسة قالوا أن واحد من عائلاتهم قد هاجر إلى الخارج خلال سنوات الانتفاضة، كما بينت عينة البحث أن 25% من الشباب بعمر (18-27 سنة) يرغبون بالهجرة إلى خارج فلسطين[11].

يتضح من العرض السابق للدراسات التي تناولت موضوع الهجرة في المجتمع الفلسطيني أيضاً اعتمدت على المسوح الأسرية، والتعددات التي نفذها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والمسح الديموغرافي، والمسح الصحي الديموغرافي، ومسح إجراءات الاحتلال الاسرائيلي وتأثيرها على الهجرة.

كما تبين من الدراسات السابقة أن النسبة الأكبر من أعداد المهاجرين كانت هجرة مؤقتة خاصة المهاجرين لدول الخليج العربي والسبب في ذلك يرجع للقيود، وللإجراءات التي تم فرضها على المهاجرين الفلسطينيين في عدم بقائهم لفترات طويلة.

كما أن معظم المهاجرين الفلسطينيين للخارج منذ عام 2000 الذين هاجروا فترة انتفاضة الأقصى لم يحصلوا على جنسيات البلدان التي تم الهجرة إليها حيث بلغت نسبتهم 57.5% من مجموع المهاجرين في عام 2000 [12].


توصيات ومقترحات:

1- يجب إنشاء دوائر حكومية متخصصة تعنى بشؤون المهاجرين من الشباب من خلال تقديم الخدمات الإرشادية للراغبين في الهجرة وتوفير معلومات حول بلدان المَهْجَر وظروف العمل فيها بدلاً من اعتمادهم في مصادر معلوماتهم على الأقارب، أو العلاقات الشخصية، أو عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي.

2- يجب على صناع القرار توجيه اهتماماتهم لقضايا الشباب وتوفير المؤشرات الاحصائية التي تخدم أهداف التنمية.

3- تعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية للشباب نتيجة للاحتلال الصهيوني، والحصار، والانقسام الذي أدى لتدهور الأوضاع في المجتمع الفلسطيني والتي أدت لتضاعف نسبة البطالة، والفقر بين فئة الشباب.

4- ضرورة محاربة آفة الهجرة للخارج الدائمة لخطورتها بطرق علمية مدروسة من خلال دمج فئة الشباب لإجبارها على البقاء، والتطوير في وطنهم.

5- توفير الجو النفسي، والمادي للشباب، وإنهاء الانقسام الذي ينعكس سلباً على هذه الفئة، والعمل على إصلاح الحال السياسي أولاً ثم الاقتصادي.

6- العمل على توعية الشباب من خلال الندوات، والبرامج سواءً كانت التربوية، أو الإرشادية، أو الثقافية للمساهمة في غرس قيم الحب، والانتماء، والولاء للوطن.

7- لابد من تفعيل دور السفارات في البلدان التي لديها قدرات تشغيلية لتوفير فرص العمل والتنسيق مع المؤسسات الأكاديمية المحلية ووزارة العمل لممارسة دوراً تنسيقياً، ورقابياً لتسهيل التكيف في تلك الدول ولحماية حقوق العاملين الفلسطينيين الشباب فيها.

8- تبني سياسات عامة من قبل الدولة، ومؤسساتها ذات العلاقة دوراً أساسياً في تنظيم عملية الهجرة من خلال عقد اتفاقيات دولية تسمح بتسهيل حركة القوة العاملة للخارج، وتوفير عقود عمل للشباب محددة زمنياً.

9- ضرورة توفير فرص عمل لجميع الشباب خاصة الخريجين منهم من خلال عمل مشاريع تستوعبهم، وتؤمن العيش لهم بحياة كريمة.

10- توفير قاعدة بيانات شاملة حول الكفاءات الفلسطينية المقيمة في المهجر والتي هاجرت أساساً من فلسطين، وبناء شبكات من جسور التواصل معها، وتشجيعها للعودة للاستفادة من خبراتها من خلال برامج تواصل حكومية واضحة المعالم. كذلك الوسائل التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تساهم بشكل كبير في الوصول للخبرات الفلسطينية المقيمة في المهجر، والاستفادة من كفاءاتهم.

11- تطوير اهتمام المؤسسات البحثية بقضايا الهجرة من خلال تشجيع البحوث والمسوح المتعلقة بظاهرة الهجرة لدى الشباب وهذا يقع على عاتق الجهاز المركزي للإحصاء المركزي الفلسطيني مهمة توفير قواعد البيانات الضرورية لذلك.


 

خاتمة

إن هجرة الشباب خارج وطنهم تعتبر من الظواهر المجتمعية المركبة والمتعددة الأبعاد فهي ليست ناتجة عن عوامل محلية وإقليمية فحسب بل هي ناتجة عن أبعاد عالمية حيث لعبت العولمة دوراً رئيسياً في تعزيزيها، فهي قادرة على اختراق الحدود الوطنية يساعد في ذلك ثورة الاتصالات، ووسائل الإعلام من حيث قوة تأثيرها على سلوكيات، ومفاهيم الأفراد خاصة فئة الشباب وهم الأكثر حساسية إزاء المجتمع. فهجرة الشباب مسؤولية الدولة وعليها الاهتمام بهم لأنهم يعتبرون المحرك الرئيس للتنمية ومؤسساتها التي من واجبها العمل على تطوير البيئة الملائمة لهم للحد من هجرتهم لخارج الوطن.

 

الهوامش:



[1]  قراءة في نتائج مسح الهجرة في الأراضي الفلسطينية 2010- توجهات سياساتية عامة- السلطة الوطنية- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني- ديسمبر 2011- رام الله- فلسطين.

[2] مصطفى حجازي، سيكولوجية الإنسان المهدور، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2005، ص211.

[3] التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت- 2007- النتائج النهائية للتعداد- تقرير السكان- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني- نيسان- 2012- رام الله- فلسطين.

[4] www.fateh-voice.ps هجرة الشباب الفلسطيني- صلاح العرابيد، 2012.

[5] تقرير دافع الشباب الفلسطيني 2013، منتدى شارك الشبابي بالشراكة مع مركز التمكين الاقتصادي للشباب- وسيم أبو فاشة، امينة حماس، وآخرون، ص 17-22.

[6]  www.alaahad.ps   هجرة الشباب من غزة.... هروب من واقع يخنق أحلامهم، 2009.

[7]  هجرة الأدمغة من المجتمع الفلسطيني مع دراسة استكشافية لقطاعي الصحة والتعليم العالي، رام الله- معهد أبحاث السياسيات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) 2008.

[8] www.Nakba.ps موسوعة النكبة، الجالية الفلسطينية في النرويج.

[9] مرجع سابق ( قراءة في نتائج مسح الهجرة)2010، ص 60.

[10] مرجع سابق، ص21.

[11] مرجع سابق،ً ص 61

[12] www.shehab.ps  شباب غزة، أكذوبة العمل في الخارج- 2011.

2014-03-16 14:06:00