منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

صفقة القرن ... إلى أين ستؤدي؟

صفقة القرن ... إلى أين ستؤدي؟

 

المصدر:  معهد الأمن القومي الاسرائيلي

التاريخ: 24/2/2020

الكاتب أودي ديكل- عنات كورتس- نوح شوستر مان

 

إن صفقة القرن التي صاغتها إدارة الرئيس ترمب عرضت كأساس جديد لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وهي تشكل أيضاً النموذج الهندسي لشرق أوسط جديد. تعترف الخطة بالمتطلبات الأمنية الإسرائيلية الضرورية وهي تمكن إسرائيل من تطبيق سيادتها على الكتل الاستيطانية وغور الأردن والمستوطنات المعزولة وتتفادى إزالة وإخلاء مستوطنين يهود وتحافظ على القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية. بالنسبة للجانب الفلسطيني توجز الخطة بنود إنشاء دولة غير متواصلة جغرافياً مقسمة إلى ستة كانتونات مغلقة بالكامل من قبل إسرائيل مع سيطرة إسرائيلية كاملة على الأراضي المجاورة على المعابر الحدودية إضافة إلى ذلك تتنكر الخطة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي الإسرائيلية. المغزى العملي للخطة بالنسبة للفلسطينيين يرقى إلى الاستسلام ولهذا رفضوها فوراً. لا شك أن كشف النقاب عن أن ممثلين عن رئيس الوزراء الإسرائيلي ساعدوا في صياغة الخطة يثير العديد من التساؤلات منها: ترى في أي منتدى حكومي إسرائيلي جرى اتخاذ القرار الذي يقول بأن ضم المستوطنات المعزولة في عمق الأراضي الفلسطينية أهم من الحفاظ على الأراضي في النقب التي تشكل العمق الاستراتيجي لإسرائيل وفي منطقة المثلث في قلب إسرائيل؟ في أي منتدى جرى مناقشة الأهمية المعقدة والوازنة جداً والباهظة للحاجة لتأمين المستوطنات المعزولة وحدود بنحو 1400 كيلومتر مع إضافة 450 ألف فلسطيني إلى داخل حدود إسرائيل؟ يميل البعض في إسرائيل إلى النظر بأن خطة ترمب والرفض الفلسطيني لها يشكلان فرصة لاتخاذ خطوات أكثر زخماً نحو الضم في الضفة الغربية ومع ذلك عندما ينظر المرء إلى المدى البعيد يرى أن الضم يمثل مخاطر من شتى الأبعاد- الأمن والاقتصاد والمجتمع المدني والموقف الدولي والإقليمي وكذلك خطر الانزلاق السريع نحو واقع الدولة الواحدة. ولكي تبقى إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية آمنة وأخلاقية يتعين تبني محتويات الخطة التي تعزز الأمن وفي نفس الوقت تطلق العنان لعملية الفصل عن الفلسطينيين وبهذا يكون قد نشأ واقع استراتيجي أفضل بالنسبة لإسرائيل.

تضفي الخطة المذكورة أهمية مختلفة لمبادئ كانت قد وجهت مفاوضات على الوضع الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين على مدار العقود الثلاثة المنصرمة وهي تفرغها جداً من أي مضمون. فهي ترفض الطلب الفلسطيني (إما الكل وإما لا) وبالأخص تحرم الفلسطينيين من القدرة على معارضة أي ترتيبات توفر استجابة كاملة لأهدافهم أو تحيد عن حدود الرابع من حزيران 1967. ومع هذا كله فإن مدى نجاح خطة ترمب يتراوح ما بين الضعف والعدم.

على المستوى المعلن تحترم الخطة التطلعات الوطنية الفلسطينية وترسم رؤية لدولة فلسطينية وفي الوقت نفسه تؤكد على الأمن الإسرائيلي والحيلولة دون تحول الضفة الغربية إلى قطاع غزة آخر. هناك فجوة كبرى بين الرؤية وشروط التنفيذ. فعلى سبيل المثال شروط الاعتراف بدولة فلسطينية تتطلب اعتراف فلسطيني بدولة يهودية بمعنى اتفاق بين دولتين قوميتين أي إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي وفلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني وهذا يتضمن إلغاء حق العودة لإسرائيل للاجئين عام 1948. هناك مطالب حقيقية أخرى تتمثل في إنشاء نظام حكم فلسطيني ديمقراطي وظيفي يحترم حقوق الإنسان بمستوى يفوق مثيله في أي دولة عربية أخرى والموافقة على المتطلبات الأمنية الإسرائيلية وتجريد حماس من سلاحها هي وباقي الفصائل الإرهابية الأخرى وإعادة السيطرة على قطاع غزة للسلطة الفلسطينية رغم عدم امتلاك الأخيرة القدرة العسكرية على ذلك ووقف التحريض الفلسطيني ضد إسرائيل في الأنظمة السياسية والشعبية والتعليمية. واضح جداً أنه يصعب على الفلسطينيين القبول أو تنفيذ هذه المجموعة من الشروط.

المظاهر العملية لمبادئ الخطة

حل الدولتين- خلافاً للتصريحات السابقة الصادرة عن معدي الخطة وهم جاريد كوشنير وجاسون غرينبلات التي تتجنب تحديد هدف حل الدولتين، تتضمن هذه الخطة إنشاء دولة فلسطينية بسيادة محدودة على مناطق بالضفة الغربية وقطاع غزة إضافة إلى جبلين في النقب الغربي.

- الاعتراف بالواقع الذي نشأ على الأرض طيلة العقود الخمسة المنصرمة- الكتل الاستيطانية الواقعة إلى الغرب من الجدار الأمني والتي يقطنها نحو 345 ألف مستوطن سيتم ضمها إلى إسرائيل. لن يتم إخلاء لسكان من المستوطنات اليهودية شرق الجدار والبالغ عددهم 100 ألف مستوطن (إضافة إلى 15 بؤرة معزولة يقطنها 14 ألف مستوطن). سيتم تطبيق القانون الإسرائيلي بالكامل على المستوطنات. هناك جيوب فلسطينية يقطنها نحو 140 ألف نسمة ستبقى ضمن الأراضي الإسرائيلية، وسيعبر سكانها الأراضي الإسرائيلية وصولاً إلى الضفة الغربية.

- أراضي الدولة الفلسطينية:- إضافة إلى المناطق "أ" و"ب" الخاضعة لولاية السلطة الفلسطينية وقطاع غزة تحت سيطرة حماس ستتضمن الدولة الفلسطينية نصف مساحة المنطقة "ج" تقريباً والتي تشكل 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية والثلاثون في المائة المتبقية من الضفة الغربية ستخصص لإسرائيل حيث تضم غور الأردن (17في المائة) ومناطق المستوطنات اليهودية (3 في المائة). مقابل ذلك ستقوم إسرائيل بنقل السيطرة على منطقتين في النقب للدولة الفلسطينية التي ستوسع قطاع غزة (المغزى من ذلك إنساني محض) لتقليص الكثافة السكانية هناك إضافة إلى مناطق واقعة جنوب مجلس إقليمي جبل الخليل وسيكون لإسرائيل خيار نقل السيادة على مناطق مأهولة تحت سيطرتها كقرى وبلدات المثلث والتي يقطنها نحو 250 ألف من المواطنين العرب في إسرائيل. أيضاً سيكون هناك تواصل مروري كالطرق والأنفاق والمفترقات بحيث تربط المناطق الفلسطينية ذات الصلة بالمناطق الإسرائيلية لإتاحة حرية الحركة بالنسبة للأشخاص والبضائع والرفاه الاقتصادي.

- تبادل الأراضي بنسبة 2 إلى1 لصالح إسرائيل:- مقابل الثلاثون في المائة من مساحة الضفة الغربية التي سيجري ضمها لإسرائيل وسيتم نقل السيطرة على ما يساوي 15 في المائة من مساحة الضفة إلى السلطة الفلسطينية (وذلك يتطلب استفتاء شعبي مع موافقة 80 عضو كنيست).

- عاصمتان في منطقة القدس: العاصمة الفلسطينية القدس أو أي اسم يختارونه ستشمل أحياء خارج الجدار الفاصل تضم أبو ديس ذلك يعني الانفصال التام للدولة الفلسطينية عن القدس الشرقية وأكثر من ذلك البلدة القديمة والحرم الشريف (الأقصى) والشيخ جراح.

- سيطرة إسرائيل على كافة الطرق الاستراتيجية ومنها الطريق السريع رقم 1 الذي يربط القدس بمنطقة البحر الميت وطريق رقم 505 وطريق عابر السامرة من أرئييل إلى غور الأردن وطريق رقم 90 على امتداد غور الأردن وطريق رقم 80 على طول امتداد التلال المشرفة على غور الأردن وطريق رقم 443 الذي يربط مودعين بالقدس.

- وضع الأماكن المقدسة في القدس وضمان حرية الوصول إلى أماكن العبادة مكفولة لكافة الأديان ولكن لإسرائيل السيطرة الوحيدة على القدس.

- المسؤولية الأمنية الإسرائيلية المطلقة جواً وبحراً وبراً على كامل المنطقة الواقعة غرب غور الأردن وبذلك سيظل غور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية ويكون الحد الأمني الشرقي لإسرائيل (بناءً على السيادة وليس على الترتيبات الأمنية فقط) وذلك يعني سيطرة إسرائيلية حول المحيط الخارجي للدولة الفلسطينية المستقبلية وتطويقها.

- حل  مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يحدث ضمن الدولة الفلسطينية أو على أساس إعادة توطينهم في  أماكن تواجدهم أو في دولة ثالثة مع عدم "الحق في  العودة" إلى إسرائيل. حق اللاجئين في الهجرة إلى فلسطين يقرر حسب الاتفاق مع  إسرائيل ووفق اعتبارات أمنية، بحيث يتم إنشاء آلية تعويض ولن تتحمل إسرائيل مسؤولية التعويض كما هو حاصل في استيعاب وإعادة توطين اللاجئين اليهود الذين فروا من الدول العربية بعد قيام دولة إسرائيل.

 

 

خريطة البيت الأبيض

دولة فلسطينية غير متواصلة جغرافياً مقسمة إلى ست كانتونات محاطة بالكامل بأراضي إسرائيلية على كافة الطرق التي تربط الأراضي الفلسطينية  وسيطرة أمنية إسرائيلية وسيادة على الحدود الخارجية بما في ذلك المعابر الخارجية مثل جسر اللنبي باتجاه الأردن ومعبر رفح باتجاه مصر. سيكون هناك حدود دولية بطول 1400 كيلو متر بين إسرائيل وفلسطين (بالضبط ضعفي  طول الجدار الفاصل الذي سينقل وفق الخطة إلى الخط الجديد. المغزى العملي لذلك بالنسبة للفلسطينيين يرقى إلى الاستسلام.

القدس والأمن والاقتصاد

القدس: كل القدس وفق الخطة ستظل موحدة بحيث تشمل كافة الأحياء  الواقعة ضمن الجدار الفاصل بما فيها البلدة القديمة وجبل الهيكل وجبل الزيتون ومدينة داوود أما العاصمة الفلسطينية ستشمل  أبو ديس والأحياء الواقعة خارج الجدار الفاصل. تؤكد الخطة  على أهمية القدس بالنسبة للديانات الثلاث وحرية الوصول إلى دور العبادة والأماكن  المقدسة  وعلى التزام إسرائيل بالحفاظ على الوضع الراهن في المدينة. يفتح المسجد الأقصى أمام المصلين لجميع الأديان (بما فيهم اليهود  وهذا يعني من الناحية العملية تغيير الوضع الراهن). مع ذلك هناك  فشلاً ملحوظاً في عدم التطرق إلى الوضع الأردني الخاص في  الأماكن المقدسة (الوصي). وبناء على ذلك ستكون السلطة الفلسطينية منفصلة بالكامل عن القدس وليس هناك أي ذكر للمؤسسات الفلسطينية في المدينة. للسكان الفلسطينيين شرقي القدس الذين سيبقون ضمن حدود إسرائيل والبالغ عددهم 300 ألف نسمة حربة الإختيار من ثلاث: 1- إقامة إسرائيلية بدون جنسية. 2- جنسية فلسطينية. 3- جنسية إسرائيلية. الفلسطينيون الذين يحملون بطاقات الهوية الزرقاء (مواطنون إسرائيليون) الذين  يقطنون الأحياء الواقعة خارج الجدار الأمني الذي صمم  للعاصمة الفلسطينية ويشمل كفر عقرب ومخيم اللاجئين شعفاط قد ينقلون للقدس للحفاظ على حقوقهم الراهنة.

الأمن

تلبي الخطة جميع المطالب الإسرائيلية الأمنية التي عرضت كشروط  للترتيبات وتأخذ بعين الاعتبار سابقة الانفصال عن قطاع غزة. الهدف هو عدم تحول الضفة الغربية إلى نموذج آخر من قطاع غزة. وفي الوقت الذي تقر فيه هذه الترتيبات بمطالب إسرائيل التي أثيرت خلال جولات تفاوضية سابقة، قد يوافق الفلسطينيون على قبول الترتيبات التي تحد جداً من  السيادة الفلسطينية والتي تضر بنسيج الحياة في الأراضي التي ضمت لها. ومن تلك المطالب:- 1-  دولة فلسطينية منزوعة السلاح بما في ذلك نزع أسلحة المنظمات الارهابية.

2-         مسؤولية إسرائيلية أمنية كاملة على الأرض حيث يشمل ذلك حرية العمل في شتى أرجاء المناطق الواقعة غرب غور الأردن وجواً سيطرة إسرائيلية كاملة على المجال الجوي وبحراً سيطرة إسرائيلية على المياه الاقليمية قبالة شواطئ غزة والمجال الكهرومغناطيسي حيث تقوم إسرائيل بتخصيص ذبذبات تستخدمها الدولة الفلسطينية.

3-         العمق الاستراتيجي: سيادة إسرائيلية وسيطرة أمنية على غور الأردن وممرات الطرق الاستراتيجية والسيطرة على المواقع الاستراتيجية (موقعين تحت السيادة الاسرائيلية- تال عتصور ومتسودوت يهودا إضافة إلى محطة جبل إيفال للإنذار المبكر).

4-                     حماية جوية لتأمين مطار بن غوريون: سيادة إسرائيلية على الأرض لضبط المطار والمدرجات.

5-         سيطرة إسرائيلية على المحيط الأمني: وفق الخطة ستقوم إسرائيل بتطويق كافة أجزاء الأراضي الفلسطينية متحكمة بالحدود الخارجية وستكون مسؤولة عن الفحوصات الأمنية (جسر اللنبي باتجاه الأردن ومعبر رفح باتجاه مصر). في المرحلة الأولى لن يتم إنشاء أي ميناء في غزة وستلتزم إسرائيل بالسماح للفلسطينيين باستخدام موانئها مثل أسدود وحيفا بحيث يخضعوا لفحوصات أمنية إسرائيلية كاملة.

6-         تعديل مسار الجدار الأمني مع الحد الجديد: إضافة إلى إعادة بناء الجدار وفق الحد الجديد سيكون لإسرائيل الحق في المصادقة على كافة قرارات التخطيط والترسيم المتعلقة باستخدام الأراضي والبناء في الجانب الفلسطيني وفق متطلباتها الأمنية.

7-         تعاون أمني وثيق بين إسرائيل والأجهزة الأمنية الفلسطينية: ترفض الخطة أي دمج لقوات دولية في الترتيبات الأمنية بين الدولتين استناداً إلى التجربة السلبية لفاعلية قوات حفظ السلام الدولية.

8-         سلطة إسرائيلية حاسمة لتقرير أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية قبل نقل أي سيطرة أمنية على أراضي لصالح الفلسطينيين.

تتسلم إسرائيل وفق الخطة رداً شاملاً على كافة مطالبها الأمنية لكنها تطبق الإطار وفق الظروف على الأرض التي ينشأ فيها حداً متعرجاً وحيوياً وقرى معزولة واختلاط سكاني وضع يصعب فيه على الجيش الإسرائيلي تنفيذ الترتيبات الأمنية ومن بين ذلك سيصعب التحضير لدفاع متواصل غير متقطع عن طرق المواصلات الضيقة (لا يوجد لها منفس أمني) التي تصل إلى المستوطنات المعزولة وسيكون هناك احتكاكاً متزايداً بالسكان الفلسطينيين والأجهزة الأمنية على طول هذه الطرق وستبرز تحديات إضافية في حماية المستوطنات المعزولة وكذلك للدخول والخروج من الأراضي الفلسطينية إضافة إلى المشاكل التي قد تطرأ على امتداد الحد المتلوي. إن حراسة المستوطنات وشرايين الحياة فيها سيما الواقعة في عمق الأراضي الفلسطينية سيتطلب تعزيزات أمنية إسرائيلية كبيرة وهنا ستقل فرصة التعاون الأمني الوثيق والفعال مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية. إضافة إلى ذلك كله سيتطلب الأمر نقل الجدار الأمني إلى الحد الجديد (نفقات ذلك ضخمة) بالنسبة لجنوب إسرائيل ستظهر تحديات أمنية متزايدة فيما يتعلق بتهريب السلاح وتسلل أفراد من الجهات الإرهابية والمتطرفة على طول امتداد محور فيلادلفي عند الحدود بين شبه جزيرة سيناء والأراضي الفلسطينية التي ستمدد على شكل جيوب في النقب. ولذلك في حالة ما طبقت الخطة وفق الشكل الراهن سيكون ضمان الوضع الأمني الجيد أصعب مما هو عليه الآن.

الاقتصاد:

الشق الاقتصادي من خطة ترامب طرح خلال ورشة عقدت في البحرين في يونيو حزيران 2019 ولب الموضوع كان انشاء صندوق استثماري بمبلغ 50 مليار دولار منه 28 مليار للاستثمار في أراضي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والباقي استثمار في دول الجوار بهدف كسب دعمها للخطة 7.5 مليار للأردن و9 مليار لمصر. يهدف الإطار الاقتصادي إلى وضع الأساسات اللازمة لانشاء كيان فلسطيني مستقل ووظيفي ويمثل أيضاً حافزاً للجمهور كي يقبل الخطة ويفشل أي معارضة لها. سيتم انفاق المنحة المخصصة للفلسطينيين على مدار عشر سنوات بواقع 2.8 مليار دولار سنوياً. الفارق بين المبلغ الإجمالي للتبرعات للسلطة الفلسطينية من الدول المانحة و ميزانية وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين ليس كبيراً.

تتطرق الخطة في الأغلب إلى مائتي مشروع في مجالات شتى منها البنية التحتية (كالمعابر فوق الأرض بين قطاع غزة والضفة الغربية والصحة والقانون والتعليم والتشغيل). بمعنى آخر الخطة طموحة جداً رغم أن مصادر تمويلها غير واضحة. إضافة إلى ذلك فإن الجدول الزمني للدفع قدماً باتجاه تنفيذ الأهداف الأساسية المذكورة لمضاعفة حجم الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص عمل لمليون إنسان وتقليص حجم البطالة إلى أقصى الحدود خلال عقد واحد من الزمن كلها أمور غير معقولة علاوة على ذلك فإن الحدود الفاصلة بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية وفق الخطة هي حدود ملتوية وتخلق جيوب على كلا الجانبين ستجعل من الانفكاك الاقتصادي أمراً في غاية الصعوبة ويتطلب إطار جمركي موحد كون لا يوجد هناك وسيلة أخرى ناجحة لمحاربة التهريب.

الرد الفلسطيني

لاشك أن الرفض الفلسطيني الكاسح للخطة سيخلق مشاكل لا حصر لها في طريق التنفيذ. وضع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ضمن خطة ترامب أشبه ما يكون "بالحاضر الغائب" في خطة من المفترض أن تقرر المصير القومي للفلسطينيين. إطار العمل المقترح هو بمثابة هزيمة للنضال الوطني الفلسطيني لأنه يقوض الاعتقاد القائل بأن الزمن هو لصالح المشروع الوطني الفلسطيني وأن المجتمع الدولي في نهاية المطاف سيرغم إسرائيل على القبول بشروط الفلسطينيين في الترتيبات المقترحة ولهذا ليس من قبيل الصدفة أن تتوافق جميع الفصائل الفلسطينية على الرفض التام للخطة، فهم يعتبرونها هي وتداعياتها تهديداً وجودياً لانجازاتهم ورؤيتهم لدولة فلسطينية مستقلة تتمتع بكامل السيادة. يصعب جداً أن تشير لقائد فلسطيني ماضياً وحاضراً يمكن أن يوافق على دولة مجتزأة صغيرة محاطة بالكامل بإسرائيل وبعاصمة على طرف القدس الشرقية. ممثلو الشعب الفلسطيني الذين رفضوا لغاية الآن كل العروض المتعلقة باتفاق الوضع النهائي لا يستطيعون أن يقبلوا مقترح ترامب لأن الواضح منها تماماً هو الاستسلام والتهديد الجدي لفقدانهم الشرعية العشعبية. حاولت السلطة الفلسطينية وحماس عند الإعلان عن الخطة تنسيق مواقفهما وطرق التصدي للفكرة ولا سيما المتعلق منها بالضم أحادي الجانب للأراضي من قبل إسرائيل. مع ذلك لم تستطع السلطة وحماس تنحية الخلافات والآراء المتعارضة جانباً. كان لاستنكار عباس للخطة صدى على الساحة الدولية وفي العالم العربي. رغم النجاح البسيط الدبلوماسي البسيط الذي حققه على الصعيد المحلي فقد ظل عباس محط انتقاد بسبب عجزه عن تزعم عمل دولي كبير ضد إسرائيل من ناحية ومن ناحية أخرى تجنبه الاحتكاك المتزايد بالجيش الإسرائيلي إضافة أنه لا يستطيع إشعال احتياجات شعبية وحسب استطلاع للآراء أجراه المركز الفلسطيني للسياسة والأبحاث المسحية فقد أعرب 94 في المائة عن معارضتهم للخطة علماً بأن ليس هناك أي تصعيد ملموس للمظاهرات أو الهجمات ضد إسرائيل. عباس حتى هذه اللحظة متشبث بسياسة شجب الإرهاب ولا يتدخل بالتنسيق الأمني مع إسرائيل خشية أن يؤدي تفشي الإرهاب بالضفة إلى رد إسرائيلي قوي يقوض وضع وإنجازات السلطة الفلسطينية. ولكن ورغم حالة الهدوء النسبي وانعدام حماسة الجمهور للمظاهرات في الشوارع والاحتكاك بالجيش الإسرائيلي فإن الضم أحادي الجانب من قبل إسرائيل للأراضي في الضفة الغربية يمكن أن يحشر فتح وحماس في الزاوية ويجبرهما على العودة إلى طريق العنف.


الرد الدولي والإقليمي

هناك مشاكل أخرى قد تطرأ على ضوء الرد الاقليمي والدولي الفاتر على خطة ترامب ( مع أن هذه المعارضة ناجمة بالدرجة الأساس عن صياغة الخطة دون مشاركة الفلسطينيين والرفض الفلسطيني الصارخ لها).

الأردن

الأردن هي الحلقة الأضعف في النظام العربي- العربي كما أن المملكة الهاشمية تواجه مآزق خطيرة. فالاقتصاد والأمن يعتمدان على الولايات المتحدة وهي تتخوف جداً من أن يمنع تنفيذ الخطة تحقيق حل الدولتين وأن تطفو فكرة الأردن كوطن بديل للفلسطينيين على السطح من جديد فضلاً عن أن الواقع الدميغرافي الفلسطيني داخل المملكة يجعل من الصعب عليها أن تتبنى موقفاً ينظر إليه مع أنه يضر بالشعب الفلسطيني. ورغم هذا المأزق فقد اتصل الملك عبدالله بالرئيس الفلسطيني محمود عباس وأعلن ذلك على الملأ كي يعرب عن تأييده له والإعراب عن دعم الأردن لفكرة حل الدولتين وفق البناء التقليدي المتفق عليه في العالم العربي. في الوقت نفسه لا تسمح المملكة بالانتقادات العلنية لاستمرار العلاقات السلمية مع إسرائيل.

مصر

الرد الرسمي المصري لا يشير صوب بنود الخطة بل يعرب عن دعمه لجهود الوساطة الأمريكية ومحاولة التقدم باتجاه حل الصراع. مشكلة مصر الأساسية تكمن في الحاجة لتأييد الفلسطينيين وهذا ما فعلته خلال اجتماعات جامعة الدول العربية واجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمحمود عباس إلى جانب رغبة مصر في الحفاظ على علاقات ثنائية مع واشنطن. هناك عناصر عديدة ضمن الخطة تناسب المصالح المصرية مثل نزع سلاح حماس وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وفكرة السلام الاقتصادي وعلى رأسها وعود باستثمار 9 مليار دولار في مشاريع التنمية المصرية خاضعة لتنفيذ الخطة والإشارة إلى المتطلبات المصرية الأمنية. الانتقاد المصري للخطة جاء لكون هذه الخطة أعلنت بحضور طرف واحد فقط ولذلك اعتبرت تحركاً سياسياً من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

الدول الخليجية

هؤلاء الذين أصاغوا الخطة توقعوا أن تبذل الأنظمة العربية المقربة من واشنطن جهوداً في سبيل اكتناع السلطة بإبداء موقفاً إيجابياً وأن لا ترفض الخطة على الفور بيد أن هذه التوقعات لم تتحقق والواقع أن نشر هذه الخطة جعل العالم الإسلامي يقف بجانب الموقف الفلسطيني.

في الوقت نفسه ورغم الانتقادات للخطة التي نسمعها من منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية التي رفضتها رسمياً فليس هناك اتفاقاً تاماً بين الدول الأعضاء في هذين المحفلين بهذا الخصوص. حتى أن البعض رأى في هذه الخطة أساساً للتفاوض والبديل عنها فوضى غير معقولة ولهذا السبب لا يرون فيها سبباً في خلق المشاكل بينهم وبين إدارة الرئيس ترمب. ومع ذلك لم يحصل أن أعربت دولة من هذه الدول عن تأييدها للخطة بشكل لا لبس فيه. ممثلو الإمارات وعُمان والبحرين الذين كانوا حاضرين في البيت الأبيض لحظة الاعلان عن الخطة صرحوا فيما بعد أنهم غير مطلعين تماماً على تفاصيل هذه الخطة ودعوتهم لحضور الحفل ترتكز على تطمينات بأن أهم المبادئ بالنسبة للعالم العربي وهي عاصمة فلسطينية في القدس وإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمنت في الخطة. بعد الإعلان عن الخطة تبين أن مبادئها بعيدة جداً عن توقعات الدول العربية لأن المقترح فيها هو تغيير الطابع الإسلامي في المسجد الأقصى والموافقة على العبادة اليهودية في الحرم الشريف. ورغم العلاقة الوثيقة بين إدارة ترمب والعربية السعودية لم تعرب المملكة عن تأييدها للخطة أو الاعتراف بها كأساس للتفاوض وقد أعرب الملك سلمان خلال اتصال مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن دعمه غير المشروط للشعب الفلسطيني. أما بالنسبة للكويت وقطر فقد أبدتا تحفظاتهما على الخطة لكنهما امتدحتا الإدارة الأمريكية على جهودها. سعت إسرائيل على مدار العقد المنصرم للتطبيع مع الدول العربية وكان هناك رغبة متبادلة بتوطيد العلاقات وفق مصالح استراتيجية مشتركة بيد أن ذلك لا يكفي بالنسبة للعرب للقبول بالخطة بناء على إطار عمل ترمب.

المجتمع الدولي

أغلب المجتمع الدولي لا يشاطر إسرائيل والولايات المتحدة حماسهما للخطة وقد رفضت كثير من  الدول والكيانات المهمة للخطة، ولكن بدون شجب أو استنكار في أغلب الأحيان. وبعد أن رفضت جامعة الدول العربية الخطة صرح الناطق بلسان الكرملين ديمتري باسكوف بأن الخطة المذكورة تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ولا يمكن أن تنفذ بالنسبة للفلسطينيين والعرب. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فقد وجد صعوبة في صياغة موقف يكون مقبولاً على جميع الدول الأعضاء وبذلك لم يصغ موقفاً رسمياً مع أو ضد الخطة بالرغم من أن الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والدفاعية جوزيف فونتيلس ذكر التزام الاتحاد بحل الدولتين على أساس حدود العام 1967 بدولة فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافياً وبالتالي يكون فعلياً قد رفض الخطة المقترحة. في الوقت نفسه يرى الاتحاد الأوروبي في الخطة فرصة لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية. علاوة على ذلك أتى الاعتراض على الخطة من داخل الكونغرس الأمريكي إذ قدم 107 عضو من الحزب الديمقراطي رسالة إلى الرئيس ترمب قالوا فيها أن الخطة لن تتيح إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة كما صرح معدو الرسالة بأن الخطة تفتقر إلى حسن النية ولذلك لا يمكن التعامل معها.

تداعياتها على إسرائيل

نص الخطة يرسم اتفاق على الوضع النهائي وهو يترك حيز للمفاوضات ولكن فقط على تفاصيل التنفيذ وليس على القضايا الرئيسية ويؤكد في نفس الوقت بأن الخطة تصف (رؤية). وهذا الأشياء المختلطة عبر عنها مسؤولو الإدارة الأمريكية بمن فيهم الرئيس ترمب نفسه خلال عرضه الخطة والسفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت خلال جلسة مجلس الأمن لمناقشة الخطة والذي عرفها بأن (رؤية) تدعو الإسرائيليين والفلسطينيين للبدء في المفاوضات حول تفاصيلها وتنفيذها. والواقع هو أن وسيطاً ما في المفاوضات سيعرض هذه الحالة كاقتراح جسر فيما لو كان هناك اتفاقاً من حيث المبدأ بين الأطراف على ملخص الحل. ومع ذلك الوضع هذا غير موجود حالياً على الساحة الإسرائيلية- الفلسطينية بسبب الفجوات غير المجورة في المواقف بين الطرفين. هدف إنهاء الصراع وجميع المطالبات كما ورد في الخطة ليس بالهدف العملي كون أي من الطرفين لا يؤمن بأن الطرف الآخر يبذل أقصى جهده وبنية طيبة للتجاوب مع حاجات الطرف المقابل. ولهذا السبب تتضمن الخطة درجة كبيرة من البساطة والتي انعكست في الاعتقاد بأن الخطوط العريضة يمكن جداً أن تأتي بنظام اقليمي جديد تتشاطره إسرائيل والدول العربية المعتدلة وأن صراعاً عرقياً عاطفياً غريزياً الذي يشخص العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن يحل بالاغراءات الاقتصادية. ومع أن إطار العمل لا يعد اختباراً بالنسبة للفلسطينيين فإن رفضهم له بعد رفضهم لاقتراحات أخرى سابقة طرحت على طاولة المفاوضات سيعزز الرواية الاسرائيلية الخاصة بعدم وجود شريك للسلام. وعلى ضوء ردود الأفعال الضعيفة السلبية على الخطة في المنطقة ولأن عرضها لم يثير موجة عنف واسعة الانتشار في الضفة الغربية وقطاع غزة فمن المحتمل أن تستغل عناصر في إسرائيل هذه الفرصة لضم أراضي وتعمل بكل طاقتها لإطلاق هذه العملية. ذلك سيوسع حجم الانقسام بين الجانبين ويزيد من صعوبة إيجاد أي صياغات مستقبلية لبنود عملية تستهل بها المفاوضات. فضلاً عن ذلك تهدد الخطة بشكل جدي بتقويض الاستقرار الراهن.

نص الخطة يرسم اتفاقاً على الوضع النهائي وفي نفس الوقت يترك مجالاً للتفاصيل ولكن تفاصيل على التنفيذ فقط وليس على القضايا الأساسية كما أنه يؤكد على أن الخطة تفصل أشبه ما يكون (بالرؤية). وقد عبر عن هذه الآراء المختلفة مسؤولو الإدارة الأمريكية بما فيهم الرئيس نفسه حين كان يعرض الخطة وكذلك المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت خلال جلسة مناقشة الخطة في مجلس الأمن الدولي والذي بدوره حدد الخطة على أنها رؤية تدعو الإسرائيليين والفلسطينيين للشروع فوراً في مفاوضات حول تفاصيلها وتنفيذها. والواقع هنا أن الوسيط في المباحثات يمكن أن يقترح ما يسمى بـ end state كاقتراح جسر فيما تم اتفاق من حيث المبدأ بين الطرفين على مذكرة الحل. على أية حال لا يوجد مثل هذا الوضع حالياً على الساحة الإسرائيلية- الفلسطينية نظراً للفجوات التي يصعب ردمها في مواقف الطرفين. هدف إنهاء النزاع وكافة المطالبات كما حدد في الخطة ليس هدفاً عملياً لأن أي من الطرفين لا يؤمن إطلاقاً بأن الطرف المقابل يبذل أقصى جهده وبنية طيبة الاستجابة لهذه الحاجات. لذلك تتضمن هذه الخطة درجة كبيرة من البساطة التي يعكسها الاعتقاد بأن هذه الخطوط يمكن أن تؤدي إلى نظام إقليمي جديد تتشاطره إسرائيل والدول العربية المعتدلة وأن الصراع العرقي العاطفي الغرائزي الذي يطغى على العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين يمكن أن يحل من خلال عرض عقاري ضخم وإغراءات اقتصادية. وعلى الرغم من أن هذا الإطار ليس اختياراً عادلاً بالنسبة للفلسطينيين فرفضهم له كما سبق وأن رفضوا جميع المقترحات التي طرحت على طاولة المفاوضات سابقاً ليعزز الرواية الإسرائيلية بعدم  وجود شريك في السلام. وعلى ضوء ردات الفعل الضعيفة والسلبية على الخطة في المنطقة ولأن طرحها لم يتسبب في إثارة موجة واسعة من أعمال العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد تستغل عناصر في إسرائيل تبحث عن الضم هذه الفرصة للعمل بكل ما أوتيت من قوة لإطلاق عملية ضم بأقصى سرعة. ذلك ستزيد حدة الشرخ بين الجانبين ويزيد من صعوبة إيجاد صيغة مستقبلية لبنود تفتح الطريق لاستئناف المفاوضات. علاوة على ذلك تهدد هذه الخطة بتقويض حالة الاستقرار الراهنة بغض النظر عن وضع هذه الحالة الآن خاصة إذا قررت إسرائيل تنفيذ أجزاء من الخطة تناسبها دون بذل أي جهود ملموسة لإبداء المرونة تجاه الفلسطينيين لاقناعهم بالصعود إلى ظهر المركب. إضافة إلى ذلك كله فإن الخطة لا تمنح الفلسطينيين أداة ضغط حقيقية لإنشاء دولة وظيفية مستقرة ومسؤولة أو تساعد على إنهاء الانقسام الحاصل الآن في النظام الفلسطيني بين فتح وحماس أو بين الضفة الغربية وغزة وهي أي الخطة تفتقر إلى معادلة معالجة الانقسام في الحكم والمطالبة بإعادة قطاع غزة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية ونزع سلاح حماس كشرط لإقامة دولة فلسطينية حتى لو تمكنت الأطراف المشاركة من التغلب على العقبات ووفا الإسرائيليون والفلسطينيون بتعهداتهم كلها فإن هذه الدولة ستظل مقسمة إلى ست كانتونات الأمر الذي سيجعل من الصعب جداً تحقيق الاستقرار المستدام (لقد علمنا التاريخ أن الدول التي تفتقر إلى التواصل الجغرافي سهلة على الانكسار). المشاكل المتوقعة التي قد تواجه القيادة الفلسطينية أثناء محاولة ضبط السيطرة على هذه الأراضي المعقدة ستجبر إسرائيل على أن تكون مسؤولة عن الظروف المعيشية لثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية والقدس وكذلك لمليوني فلسطيني في قطاع غزة حتى بعد الانفصال عنه وسيصبح العبئ الأمني والاقتصادي والمدني والسياسي الملقى على كاهل إسرائيل ثقيلاً للغاية. لذلك فإن تطبيق الخطة لن يوفر إلا حلاً مؤقتاً فقط. ستضطر إسرائيل إلى الاستمرار في إدارة الصراع ولكن في ظروف أكثر تعقيداً من الظروف الراهنة.

الإدارة الأمريكية الحالية هي أول إدارة توافق على طلبات إسرائيل بالنسبة للترتيبات الأمنية وضم جميع المستوطنات بدءاً بالكتل الاستيطانية وغور الأردن انتهاءً بالمرتفعات التي تتحكم بالغور من اتجاه الغرب. وكما اقترح السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان هناك صفقتين: "صفقة القرن الفعلية" و"الصفقة داخل الصفقة". ستنتظر إسرائيل إلى أن تنجز لجنة مؤلفة من ستة أشخاص ثلاثة أمريكيين وثلاثة إسرائيليين موائمة الخارطة المقترحة ضمن خطة ترامب مع الوقائع على الأرض وتفعيلها وتجميد البناء على مناطق خصصت للدولة الفلسطينية ثم تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على مناطق لا ينوي تخصيصها للدولة الفلسطينية. بمعنى آخر الإدارة الأمريكية هي التي تهيئ الظروف التي تسمح لإسرائيل ضم أرض دون رضا الفلسطينيين. لاشك أن الخطة تتضمن تهديداً واقعياً حقيقياً لرؤية الدولة اليهودية الديمقراطية لأنها تعني استيعاب نحو 450 ألف فلسطيني آخر ضمن حدود إسرائيل وإذا انهارت السلطة الفلسطينية بعد عملية الضم فعندئذ ستتحمل إسرائيل المسؤولية عن الشعب الفلسطيني بكامله والعاقبة التي لا مفر منها ستكون في الانزلاق نحو واقع الدولة الواحدة. ذلك سيسرع الاتجاه السائد والقائم أصلاً خصوصاً بين الشباب الفلسطيني نحو البحث عن حل الدولة الواحدة والمطالبة بالحقوق المتساوية بين الجميع.

أضف إلى ذلك كله أنه وضمن الشروط المقترحة وفق الخطة تقوم إسرائيل مقابل الأراضي التي تخصص ضمن سيادتها بتسليم أراضي في النقب الغربي مع زيادة قدر الإمكان لمساحة منطقة المثلث وهي خاصرة إسرائيل الضعيفة رغم أن تطبيق هذا الخيار غير وارد. ترى في أي محفل حكومي قررت إسرائيل أن ضم مستوطنات معزولة في عمق الأراضي الفلسطينية أهم من الاحتفاظ على أراضي النقب (الذي يوفر عمقاً استراتيجياً لإسرائيل) وفي المثلث في قلب إسرائيل؟ في أي محفل جرت مناقشة التداعيات المعقدة الباهظة الضخمة للحاجة إلى تأمين حدود بطول 1400 كيلو متر مع إضافة نحو 450 ألف فلسطيني ضمن مناطق إسرائيل؟

الخيارات أمام إسرائيل

بعد نشر خطة ترامب أضحت إسرائيل تواجه ثلاثة بدائل للعمل وهذه الثلاثة ستكون عملية بعد الانتخابات وتدشين الحكومة الجديدة.

1-        النظر إلى الخطة كفرصة ربما لمرة واحدة لتشكيل نمط واقع الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني حسب شروط إسرائيل. هنا وفي هذا الوضع فإن رفض الفلسطينيين للخطة في ظل دعم أمريكي لإسرائيل ستعتبره الأخيرة داخلياً وخارجياً كشرعية لتنفيذ جزئيات في الخطة وفق مصالحها هي. سيتم تطبيق القانون الإسرائيلي على غور الأردن والمستوطنات (وفق أطر عمل الخطة) دفعة واحدة مع تجاهل الاعتراضات الفلسطينية والأردنية والمعارضة الدولية أيضاً والتداعيات ستكون كالتالي: إغلاق الأبواب أمام أي تسوية مستقبلية متفق عليها وتقويض العلاقة الخاصة مع الأردن وقد تتضرر العلاقات السلمية معها وزيادة الإرهاب والعنف من قبل الجانب الفلسطيني وتباطؤ عمليات التطبيع مع الدول العربية والعزلة أو حتى مقاطعة محتملة من قبل الجهات الدولية. إن أخطر رد على الضم أحادي الجانب هو حل السلطة الفلسطينية التي ستعيد عندها المفاتيح لإسرائيل الأمر الذي سيؤدي إلى واقع الدولة الواحدة مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على إسرائيل من حيث الأمن والاقتصاد والمجتمع والأيديولوجيا.

2-         القبول من حيث المبدأ بالخطة دون اتخاذ أي خطوات عملية ريثما يتم تنصيب حكومة إسرائيلية جديدة وأن تعرب السلطة الفلسطينية عن رغبتها في استئناف المفاوضات: تستطيع إسرائيل وضع شروط جديدة لصياغة ترتيبات وفق خطة ترامب تشمل البحث عن ثقة متبادلة وتعزيز التنسيق الأمني وتحسين الظروف الاقتصادية والمدنية للفلسطينيين وتعميق وتوسيع أفق العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وحشد الدعم والمساعدات من العالم العربي لتعزيز بناء دولة فلسطينية وظيفية وراسخة مقابل أيضاً امتناع إسرائيل عن الضم أحادي الجانب الخلاصة أن تظل خطة ترامب على الرف مع دعم أمريكي ومقياس جديد لمحادثات مستقبلية مع دعم المتطلبات الأمنية الإسرائيلية كما صيغ في الخطة ومع تشجيع إسرائيل على إبداء المرونة فيما يتعلق بالأبعاد الإقليمية والوظيفية للكيان الفلسطيني.

3-          تنظر إسرائيل للخطة كإطار استراتيجي الهدف منه الانفصال عن الفلسطينيين مع العمل من أجل التعاون في تنفيذ الترتيبات الانتقالية: ستدعو إسرائيل قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لدراسة الخطة والعودة إلى طاولة التفاوض على تلك الأسس. في الوقت نفسه ستوضح إسرائيل أن الرفض الفلسطيني المشاركة في المحادثات سيؤدي إلى التنفيذ التدريجي لأجزاء من الخطة والتي تعزز الانفصال الجغرافي والديمغرافي مع الاستمرار في ترك الباب موارباً أمام المفاوضات والتنسيق مع السلطة الفلسطينية. بدون التقدم من قبل السلطة الفلسطينية ستبدأ إسرائيل بالضم الحدودي لمستوطنات وكتل استيطانية يجري توافق شعبي عليها بحيث تخدم مسار الانفصال. مقابل ذلك تمنح إسرائيل السلطة الفلسطينية أراضي بنفس القيمة في منطقة (ج) في أراضي يقطنها فلسطينيون وبذلك ينشأ هناك نوع من التواصل الجغرافي. ولو ظلت السلطة الفلسطينية عند رفضها استئناف المفاوضات فحينئذ تستطيع إسرائيل تشكيل خط الفصل الإقليمي والديمغرافي والجغرافي عن الفلسطينيين استناداً إلى الإطار الاستراتيجي للساحة الإسرائيلية الفلسطينية الذي نشره معهد الأمن القومي الإسرائيلي. خطة المعهد لها هدفين الأول يتمثل في تحسين الوضع الاستراتيجي لدولة إسرائيل والثاني تفادي الإنزلاق الساحق نحو وضع الدولة الواحدة. الهدف الأساس هو تشكيل واقع أفضل يسهل فتح خيارات مستقبلية لإنهاء السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية مع ضمان أغلبية يهودية متينة في دولة ديمقراطية بمعنى آخر: الإطار صمم من أجل تجهيز أرضية لواقع حل الدولتين تتحقق من خلاله المثل الإسرائيلية لدولة يهودية ديمقراطية أخلاقية آمنة. على المدى البعيد يكمن هناك  كثير من المخاطر في الخيار الأول ومن شتى النواحي بالنسبة لدولة إسرائيل من حيث الأمن والاقتصاد والمجتمع المدني والموقف الدولي والإقليمي وقد يؤدي إلى واقع الدولة الواحدة أما بالنسبة للخيارين الثاني والثالث (قد ينفذ الخيار الثالث بعد الثاني) فمن الممكن أن يهيئا الظروف التي تتيح الانفصال عن الفلسطينيين وخلق واقع استراتيجي متين لدولة إسرائيل.

 

 

ضم الضفة الغربية: إلى أين سيؤدي؟

ورقة بحثية مقدمة إلى مؤتمر عقد في معهد الأمن القومي الاسرائيلي

أ.زهير عاشة

التاريخ: 14/6/2020

المصدر: معهد الأمن القومي الإسرائيلي

الكاتب: أودي ديكل ونوعا شوستيرمان

 

"تطبيق السيادة" تعبير بغيض عن الضم الأحادي الجانب لأجزاء من الضفة الغربية وهذه الخطة ستقلب الحالة الراهنة رأساً على عقب وستغير قواعد اللعبة على الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية.

يرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل الآن أمام فرصة لن تتكرر لابد من استغلالها لتغيير الواقع على ساحة الصراع. "ظلت إسرائيل دائما الطرف الذي يجب عليه التنازل والعطاء والتجميد والإنسحاب ولقد صرح الرئيس ترمب للتو أن الفلسطينيين وليس الإسرائيليين هم الذين يتوجب عليهم ان يتنازلوا". هذه الكلمات وردت خلال التغطية الإعلامية والنقاشات التي جرت في إسرائيل والتي ركزت على التداعيات الآنية للضم مع أنه لم يجر هناك أي نقاش حول التداعيات بعيدة المدى. في حال ما استطاعت السلطة الفلسطينية النجاة من تداعيات الضم التي قد تشمل اندلاع موجة من القلاقل الشعبية. فإن هذه الخطوة ستسرع من وتيرة نهاية دورها وتفكيكها ولو حصل ذلك ستجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن 2.7 مليون فلسطيني في الأراضي المحتلة وهي مشكلة ستؤثر على الطابع الديمقراطي والديمغرافي لدولة إسرائيل وانزلاق نحو واقع الدولة الواحدة. هذا المؤتمر الذي عقد في معهد الأمن القومي الإسرائيلي يسلط الضوء على الآثار الإيجابية والسلبية للضم.

البعد الجغرافي:

لغاية الآن لم يتم نشر أي خارطة حول خطة الضم والتي ستسير حسب واحدة من ثلاث مقاربات:

1-                      ضم غور الأردن بالمعنى الفضفاض والذي يشكل 22% من مساحة الضفة الغربية

2-         ومقاربة تتبنى خطة الرئيس ترمب وتدعو إلى ضم نصف مساحة المنطقة (ج) والتي تبلغ مساحتها 30% ن مساحة الضفة الغربية او المقاربة رقم 3 وهي المقاربة المحدودة التي تسعى إلى تأمين المستوطنات الإسرائيلية القائمة وتمنع أي إخلاء مستقبلي.

المناقشة التي جرت في المؤتمر تركز على ثلاثة بدائل بين خطة ترمب والمقاربة المحدودة:

1-         ضم غور الأردن وشمال البحر الميت حسب خارطة مقدمة من قبل رئيس الوزراء نتنياهو. هذا البديل يتأسس أولاً وأخيراً على منطق أمني مثل ترسيم حد دفاعي شرقي إسرائيل، بحيث يشمل غور الأردن بالمعنى الفضفاض، وكذلك التلال الشرقية للسامرة حتى طريق أيلون (بما يشكل 22% من مساحة الضفة الغربية). تضم هذه المناطق 30 مستوطنة اسرائيلية لكن تعداد سكانها لا يساوي أكثر من 3% من عدد السكان اليهود بالضفة الغربية.

أيضا تضم جيبا فلسطيناً وهو مدينة أريحا إضافة إلى العديد من البلدات الفلسطينية. لن تطبق السيادة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية.

2-         ضم غور الأردن والمستوطنات وفق خطة السلام التي طرحها الرئيس دونالد ترمب. تتضمن هذه الخارطة غور الأردن ولكن بقدر أقل مما ورد في خطة نتنياهو (17 من المناطق)، إضافة إلى كل الكتل الإستيطانية و17 مستوطنة معزولة في عمق الأراضي الفلسطينية متصلة بطرق مع إسرائيل (اضافة إلى 13% من مساحة الضفة الغربية ليصل الإجمالي إلى 30%) . يضمن ذلك لإسرائيل من الناحية الأمنية السيطرة على الحدود الشرقية وكذلك سفوح التلال السامرية المطلة على المركز ومطار بن غوريون والحزام الملتف حول القدس. عيبه يكمن في أنه يخلق حدوداً بطول 1600 كيلومتر ويترك المستوطنات الإسرائيلية معزولة في الضفة الغربية متصلة بإسرائيل بطرق ضيقة يصعب الدفاع عنها. سيترتب على ذلك ايضا احتكاك غير بسيط بين السكان الإسرائيليين والفلسطينيين.

في حال ما تم تطبيق خطة ترمب كما صيغت فسيتعين على إسرائيل نقل نصف مساحة المنطقة (ج) لسيطرة السلطة الفلسطينية أي 3% من مساحة الضفة الغربية وستضاف هذه المنطقة إلى الـ40% الخاضعة حالياً لسيطرة السلطة الفلسطينية (منطقة أ و ب). أيضا سيتعين على إسرائيل تحويل أجزاء من مناطق سيادتها للدولة الفلسطينية المستقبلية والتي قد تصل مساحتها إلى 15% من مساحة الضفة الغربية. هذا البديل حسب التقديرات قد يكون مناسباً للتطبيق ضمن إطار اتفاق الوضع النهائي على أساس الثقة التامة بين الطرفين وسكانهما ولكن بالتأكيد غير مناسب لوضع مؤقت سيتم بقدر ضئيل من الثقة بين الطرفين.

3-         ضم المستوطنات الواقعة ضمن مناطق النفوذ، حيث تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 10% من مساحة الضفة الغربية لكنها لا تشمل طرق الوصول إلى المستوطنات. لا يضيف هذا البديل أي ميزة استراتيجية تذكر وليس له جدوى كبيرة بالنسبة للمستوطنات التي تظل معزولة ولهذا السبب يشكل بديلاً من بدائل المرحلة الإنتقالية فقط. ومع ذلك فإن ميزة هذه الخارطة تكمن في تطبيق السيادة والقانون الإسرائيليين على كافة سكان المستوطنات مع إشمال نسبة ضئيلة من الفلسطينيين ضمن المنطقة (أي أقل من 1% من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية). وحسب هذه الخارطة لن يسمح لهذه المستوطنات بالتوسع خارج حدود ولايتها.

هناك عدة احتمالات أخرى تشكلها بتوليفات ومتغيرات عن هذه البدائل.

البعد القانوني:

من الناحية القانونية "تطبيق السيادة" و"الضم"، هما نفس الشيء لا اختلاف بينهما ومع أن عبارة "تطبيق السيادة" تحمل في طياتها إيحاءً سياسياً وضمنياً قانونياً على خلاف الإيحاء السلبي لمفهوم الضم أحادي الجانب والتي يعتبرها القانون الدولي غير شرعية. منذ عام 1967 واسرائيل تسيطر على أراضي الضفة الغربية وفق احتلال عسكري يديره حكم عسكري ولا يخضع للتشريعات الإسرائيلية أي تطبيق مباشر عدا عن الأوامر الصادرة عن قيادة المنطقة الوسطى (القائد العسكري) المطبقة على مناطق المستوطنات.

تطبيق القانون الإسرائيلي يعني إنهاء تطبيق قانون المنطقة ومساواة ووضع الإدارة القانونية بوضع اراضي دولة إسرائيل ستص3ح السلطات الإسرائيلية السلطة في المنطقة ونتيجة لذلك سيسهل الضم من عملية مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح إنشاء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة. لن يكون السكان الفلسطينيون في المناطق المضمومة يخضعون للقانون الفلسطيني بل للقانون الإسرائيلي بصفتهم سكان في دولة إسرائيل ويحق لهم المطالبة بالجنسية. بالنسبة للمستقبل وبناء على القانون الأساسي الإسرائيلي يحدث التالي: إستفتاء في حالة موافقة إسرائيل على التخلي عن المنطقة المضمومة في إطار ترتيبات سياسية مع الفلسطينيين والمصادقة على هذا التنازل تتطلب أغلبية خاصة وهي 80 عضواً من أعضاء الكنيست. فعلياً الضم هنا يعني تكبيل ايدي أي حكومة اسرائيلية مستقبلية ترغب في نقل مناطق في أي تسوية سياسية.

حسب القانون الدولي لا يعترف بالمناطق المضمومة تحت السيادة الإسرائيلية او كجزء من دولة إسرائيل ويتوقع من كافة الأطراف الدولية أن يعاملوا ذلك كأراضي محتلة للفلسطينيين فيها حقوق بما في ذلك حق تقرير المصير الذي لن يتحقق إلا من خلال انشاء دولة. إسرائيل بصفتها دولة محتلة ستظل مطالبة بالإيفاء بتعهداتها للفلسطينيين. كلما تقلصت وظائف السلطة الفلسطينية كلما زادت واجبات إسرائيل. عملياً الإتفاقيات بين دولة إسرائيل والدولة التي لا تعترف بالضم لن تطبق على الأراضي المضمومة ومن هنا يتعين على إسرائيل أن تقرر بين التمييز بين الأراضي الواقع ضمن حدود إسرائيل لعام 1967 وبين الأراضي المضمومة بالضفة الغربية والمجازفة بإلغاء هذه الإتفاقيات برمتها. القرار المتعلق بالضم سيعتبر خرقاً إسرائيلياً فاضحاً للقانون الدولي. تغيير الإدارة الأمريكية في الولايات المتحدة سيؤدي ايضاً إلى إصدار قرار من قبل مجلس الأمن يشجب إسرائيل واضافة إلى ذلك كله سيشكل الضم قضية أخرى من المفترض أن تحقق فيها محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.

 

الجمهور الإسرائيلي

أشار استطلاع للآراء أجراه المعهد الديمقراطي الإسرائيلي في أبريل نيسان 2020 إلى ان فكرة الضم تحظى بدعم أغلبية بسيطة (53%) بينما عبرت أقلية (28%) عن معارضتها لهذه الفكرة وأن نحو خُمس المستطلعين (19%) ليس لهم رأي حيال هذا الموضوع. ومن ناحية أخرى وخلال رد على سؤال حول فرض تطبيق أي نسخة من الضم في العام المقبل أجاب نحو (50%) من الجمهور اليهودي بأنهم لا يعتقدون أن الضم سيحدث. بعدها بشهرين أجرت القناة الـ 15 في التلفزيون الإسرائيلي استطلاعاً يوم 8 حزيران قالت فيه أن 46% من الجمهور يعارضون الضم بينما يؤيده 34%. وفي الوقت الذي قال فيه 67% بأن أزمة جائحة كورونا أهم قضية اليوم، قال 3.5% أن الضم هو القضية الأهم. في مسألة الوضع المدني للفلسطينيين في المناطق المضمومة أظهر استطلاع أجراه المعهد الديموقراطي الإسرائيلي أن هناك انقساماً في أوساط الرأي العام اليهود: 20% قال أنه يجب منح الفلسطينيين وضع المواطن بينما أوضح 24% أنه يجب منحهم وضع الساكن في حين قال 37% أنه يجب ان لا يمنح هؤلاء وضع يتجاوز الوضع الذي يعيشون فيه الآن، وأعرب 19% عن عدم تفضيلهم أي من ذلك. ليس لقضية الضم تأثير مباشر على أغلب السكان والإعلام هو فقط من يغذيها. الواقع هو ان مصطلح "الضم" ظهر عادة في الصحافة التي تتبع للجناح اليساري في الخارطة السياسية الإسرائيلية، بينما ظهر مصطلح "تطبيق السيادة" في وسائل الإعلام ذات التوجهات اليمينية. شهدت الأيام الأخيرة جدالاً متزايداً بين شريحة السكان المستوطنين فيما يخص استحقاق تطبيق السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية على أساس خطة ترمب وهي التي تتصور حل الدولتين وتطالب بوقف البناء في المستوطنات المعزولة لمدة 4 سنوات او إلى حين التوصل إلى ترتيبات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. هذه الشروط التي تشمل أيضا ترسيم مساحة المناطق تجعل من فكرة تطبيق السيادة أقل إغراءً أن لم يكن أكثر أشكالاً بأعين القادة الصقور في الحركة الإستيطانية.

الرد الفلسطيني:

في هذه المرحلة (السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة) تسعى القيادة الفلسطينية إلى منع إسرائيل من تنفيذ الضم ولكن مجال المناورة أمامهم محدود وهناك فجوة واضحة بين كثافة التصريحات التي يطلقونها وفاعلية الأدوات التي بجوزتهم. يدرك الشعب الفلسطيني ان الضم هو مؤامرة إسرائيلية – أمريكية لتكسير الشعب الفلسطيني ومنع إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. ورغم أن جميع الفصائل على الساحة الفلسطينية تتفق على أن هذا الوقت هو الأنسب للمصالحة الوطنية فالواقع يقول أن الفجوات يصعب جسرها.

السلطة الفلسطينية الآن في مأزق شديد فهي من ناحية تواجه خطر محدق يهدد مؤسسات الدولة التي توظف نحو 170 الف شخص في القطاع العام ومن ناحية أخرى ليس هناك إتجاه لبوصلة المفاوضات السياسية وهدف إنشاء دولة فلسطينية على كافة المناطق التي إحتلتها إسرائيل عام 1967 هو هدف غير قابل للتحقيق. إلغاء إتفاقيات أوسلو سيكون له آثاراً قاسية على السلطة الفلسطينية لذلك تجدها تدرس استحقاقات هذه الخطوة.

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس صرح أن السلطة لم تعد مكبلة بإتفاقيات وقعتها مع إسرائيل كون الأخيرة لا تنفذها. وكون السلطة الفلسطينية ترى التنسيق الأمني مع إسرائيل ذا جدوى فهي لم تتخلى عنه بالكامل. ظلت السلطة الفلسطينية لغاية الأول من يوليو تموز 2020 وهو التاريخ المحدد لإعلان الضم تركز على محاولات الضغط على إسرائيل بالتهديد تارة بمحاولات حشد المعارضة الدولية والإقليمية للضم. من يوليو وحتى نوفمبر ستظل السلطة الفلسطينية تبنى على أمل فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. في حالة فوز ترمب بولاية ثانية وتأييده لكافة القرارات الإسرائيلية المتعلقة بالضم فحينئذ قد تدخل الساحة الفلسطينية  في مرحلة جديدة: ستتوقف السلطة الفلسطينية عن أداء وظيفتها بطاقتها الرسمية والتطورات الناتجة عن ذلك سيقودها الشارع الفلسطيني. علاوة على ذلك فإن غياب عباس عن المشهد الفلسطيني سيعزز وتيرة الصراع على الخلافة في صفوف القيادة الفلسطينية وهنا قد تنجر السلطة الفلسطينية إلى حالة من الفوضى. حماس من جانبها تسعى إلى التدليل بأن نهج المقاومة للكفاح من أجل تقرير المصير والإستقلال السياسي أنسب من نهج منظمة التحرير. في حالة الضم يتوقع أن تتحدى حماس إسرائيل والسلطة عبر شن عمليات إرهابية في الضفة الغربية وستفعل ذلك دون تعريض وجودها في قطاع غزة للخطر وستبذل أقصى ما تستطيع لتفادي صداماً عسكرياً واسع النطاق مع إسرائيل في قطاع غزة. في الوقت نفسه ستجد حماس نفسها مضطرة للتعامل مع المنظمات الرافضة التي لن تأخذ مصالحها بعين الإعتبار وستحاول التسبب بتدهور الأمور في القطاع.

الآثار على العلاقات السلمية مع كل من مصر والأردن:

تشكل القضية الفلسطينية أهمية وجودية بالنسبة للأردن لأن أكثر من نصف الشعب ينحدرون من أصول فلسطينية. أعرب الأردن منذ البداية عن معارضته التامة لأي شكل من أشكال الضم بغض النظر عن نمطه أو مجاله. لذلك فإن أي خطوة اسرائيلية بهذا الخصوص قد تواجه معارضة شديدة من الجانب الأردني كما أن القلاقل بالضفة الغربية قد تنتشر إلى الأردن. الإغراءات الإقتصادية التي تمنح للأردن كجزء  من خطة ترمب (7.4 مليار د ولار) هي مساعدات لا تشكل حافزاً لها كي يوافق على الخطة رغم الوضع الإقتصادي الصعب. الملك عبد الله الثاني حذر ولا ينتقد الخطة بشكل دائم. ومع ذلك فقد أكد الملك خلال مقابلة صحفية أجرتها صحيفة معه ديرشبيقل الألمانية مؤخراً أن عملية الضم ستؤدي إلى صراع شديد بين إسرائيل والأردن والضرر الذي قد يلحق بالعلاقات السلمية مع الأردن بمكن ان يتضمن تقليصاً أو حتى تجميداً للتعاون الأمني الثنائي وهذا من شأنه سيهدد أمن اطول حدود لإسرائيل ويقوض استقرار المملكة الهاشمية التي توفر لإسرائيل عمقاً استراتيجياً في الشرق. وجهة النظر الشائعة في الأردن تقول بأن حكومة اليمين الإسرائيلية تسعى إلى إيجاد ظروف تكون الأردن فيها الوطن البديل للفلسطينيين تتيح لإسرائيل تصدير المشكلة الفلسطينية من داخل حدود فلسطين التاريخية إلى الأردن.

مصر أقل عرضة للخطر من الأردن بالنسبة لآثار الضم وهي الآن متعبة في الوقت الراهن جراء قضيتين كبيرتين: وهما جائحة كورونا والأزمة الإقتصادية الناجمة عنها والتهديد الإثيوبي بوقف تدفق المياه من النيل جراء ملئ سد النهضة الإثيوبي الكبير. وزير الخارجية المصري أوضح معارضة مصر لفكرة الضم لأنها تمس بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة ضمن حدود العام 1967، وهذا بدوره يستبعد احتمال تحقيق حل الدولتين ونهاية العملية السلمية.

وأعرب أيضاً عن قلقه حيال احتمال اندلاع موجة تصعيد إسرائيلية – فلسطينية تؤثر على مصر وتعزز مكانة القوى الإسلامية في قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء. وعلى هذا الأساس تقوم مصر بالضغط على إسرائيل والولايات المتحدة بطي هذه المبادرة وفي الوقت نفسه تدفع الفلسطينيين لإقتراح بديل عن خطة ترمب للحيلولة دون خطوات اسرائيلية أحادية الجانب. اذا أيدت الإدارة الأمريكية فكرة الضم فإن مصر وعدا عن الخطاب اللفظي المعارض للخطوة ستمتنع عن إتخاذ أي خطوة حقيقية بسبب إعتمادها الكبير على المساعدات المالية وتأييد الولايات المتحدة لها بالنسبة للسد الأثيوبي ولهذا السبب ستختار مصر ردا مضبوطاً.

الموقف الدولي:

في الولايات المتحدة فكرة الضم هي آخر قضية على جدول أعمال الأزمات الراهنة والمتعددة والتي يتصدرها أزمة وباء كوفيد 19 والأزمة الإقتصادية وانتشار الإحتجاجات العنصرية.

أرسلت دوائر الإدارة الأمريكية الحالية رسالة واضحة تتراوح ما بين تأييد أي خطوة تقوم بها الحكومة الإسرائيلية إلى الطلب من إسرائيل بالإمتناع  عن الإقدام بأي عمل يحرم خطة ترمب من جدواها. منح الإدارة الأمريكية إسرائيل الضوء الأخضر فيما يتعلق بالضم يتم في حالة واحدة او أكثر من هذه الإحتمالات: إذا أعربت السلطة الفلسطينية عن رغبتها في الإنخراط في مفاوضات ترتكز على أسس خطة ترمب إذا ما أوصلت الدول العربية رسائل واضحة بمعارضتها لفكرة الضم، واذا نشأت معارضة شديدة داخل الحكومة الإسرائيلية بين وزراء حزب أزرق –أبيض يعكس حالة من عدم التوافق فيما يخص حق إسرائيل بضم مناطق في الضفة الغربية.

المرشح الديمقراطي جو بايدن أعرب عن معارضته للضم او خطوات احادية الجانب يعتبرها تقويضا لحل الدولتين مؤكداً أن الضم يتعارض مع المصالح الأمريكية. ليس هناك من سبيل نتنبأ من خلاله كيفية ومدى معارضة بايدن للضم في حالة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. ربما يبحث عن وسائل لمعارضة ذلك وقد يحاول إقناع الفلسطينيين أنه لا زال من الممكن الدفع قدماً باتجاه حل الدولتين واتخاذ خطوة تعيد الطرفين لطاولة المفاوضات وربما من خلال فرض تنازلات على إسرائيل.

المجتمع الدولي لن يعترف بضم أراضي لدولة إسرائيل ويرى أن ضم الضفة الغربية يحرم الفلسطينيين من حق تقرير المصير والسيطرة على كل الأراضي بما في ذلك شرقي القدس. والواقع هو ان الدعم الدولي لهذا الحق قد يزداد والإتحاد الاوروبي الذي يعاني من آثار جائحة كورونا وما سببته من أزمة إقتصادية هو الآن ضعيف جداً يعيش حالة استقطاب ودوله الأعضاء عاجزة أمام التوصل إلى توافق حيال الضم ناهيك عن احتمال فرض عقوبات على إسرائيل. لا شك ان الإتفاق على تبنى الضم يتعارض مع القانون الدولي يعزز أصوات أولئك الذين ينادون باتخاذ خطوات قاسية وهناك حتى من ذهب إلى الدعوة إلى إلغاء او تعليق إتفاق الشراكة بين إسرائيل والإتحاد الاوروبي الذي له تداعيات على جهود التعاون في مجالات التجارة والأبحاث والأمور الأكاديمية ومع ذلك فإن عدم التناغم بين الدول الأعضاء في الإتحاد يحبط هذه الجهود.

أغلب التجمعات اليهودية في الغرب منشغلة بقضية كورونا والتي سببت إرتفاعاً في منسوب معاداة السامية. الخطاب المتعلق بالضم يغذي منظمات ترفض شرعية دولة إسرائيل وتعمل على تعزيز جهود المقاطعة ضد إسرائيل. ورغم أن المعسكر المؤيد لإسرائيل يعمل وفق نظام "الخيمة الكبرى" بمعنى أن رغم الآراء الكثيرة من الممكن العمل نيابة عن دولة إسرائيل. وفي حالة الضم سيصعب على هؤلاء اليهود إبداء موقف قوي.

مع وضد الضم: الآثار السلبية:

1-  تأثير ضار على الواقع الأمني الذي تعيشه الساحة الإسرائيلية- الفلسطينية التي تميزت طيلة العقد المنصرم بالهدوء والإستقرار النسبي. تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية قد يزيد من شهوة الفلسطينيين للعنف. التعاون بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية متوقف أصلاً وقد يتوقف بالكامل خصوصا في مجالات كإحباط عمليات إرهابية ومنع نشوب خلافات وتفريق مظاهرات وتقاسم معلومات استخبارية قيمة ومن شأن هذا التوقف أن يضر بقدرة إسرائيل على إفشال الإرهاب ومحاربة العنف.

2-  الضم قد يدفع السلطة باتجاه حماس وقد يشجعها على العودة إلى نهج المقاومة مع المطالبة بالسيادة على كامل فلسطين. حماس في الوقت نفسه قد تعمل على زعزعة الإستقرار بالضفة الغربية وقد تواجه مشاكل في ضبط الجماعات المعارضة بالقطاع وهذا سيزيد من فرص التدهور الأمني الفوري في الضفة الغربية وقطاع غزة.

3-  الضم وانعدام الأفق تجاه انشاء دولة فلسطينية سيزيد من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية وإعادة المفاتيح لإسرائيل. في هذه الحالة ستضطر إسرائيل إلى تحمل المسؤولية عن حياة 2.7 مليون فلسطيني يعشون في الضفة الغربية.

4-  الحرمان من فوائد المعاهدة السلمية مع الأردن: حدود إسرائيل مع الأردن هي الأطول والأهدأ والتعاون الأمني مع الأردن استمر بنجاح على مدار السنوات. اضافة إلى ذلك فإن الضم سيحرم إسرائيل من العمق الإستراتيجي العسكري الشرقي يصل مداه الآن إلى الحدود الأردنية العراقية.

5-  الجهود الأمنية الإسرائيلية الرئيسية بحاجة إلى التحول من مقاومة التغلغل الإيراني على الساحة الشمالية إلى تكثيف الجهود والقوات على الساحة الفلسطينية. الإستقرار والهدوء النسبي السائد الآن على الساحة الفلسطينية يتيحان للجيش التركيز على إحباط التهديد الإيراني لإسرائيل.

6-  الضم سيضر بتعاون إسرائيل مع دول لا تربطها بها علاقات رسمية إنما على أساس مصالح مشتركة في وقت التوسع الإيراني السلبي في الشرق الأوسط، وقد يقوض هذا الضم وضع إسرائيل الإقليمي حيال الدول العربية السنية فحتى لو حافظت هذه الدول على علاقات ذات مستوى متدني فقد لا تتطور في المستقبل المنظور.

7-   الضم على نطاق واسع يعني نهاية تسوية اقليمية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

الآثار الإيجابية:

1-  خطوة تطبيق السيادة الإسرائيلية ستغير قواعد اللعبة في ميزان القوى على الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية بطريقة تحرم الفلسطينيين من القدرة على الإعتراض على أي ترتيبات مقترحة كذلك ستحرمها من القدرة على إبقاء إسرائيل رهينة لها في هذا الوضع القائم.

2-  لأول مرة توافق الولايات المتحدة على نية إسرائيل المعلنة بالإحتفاظ بوجود دائم وراء حدود ما قبل العام 1967 ولابد أن يجسد ذلك من خلال سيادة على الأرض.

3-  هناك احتمال كبير أن لا يزعزع تطبيق الضم أساسيات الواقع السياسي والأمني الإسرائيلي خصوصاً إذا كان الضم محدوداً ولا يستبعد خيار حل الدولتين.

4-  المناطق التي هي ضرورية جداً لإسرائيل هي القدس بالأساس ومحيطها وغور الأردن. حاليا تسيطر إسرائيل على هذه المناطق بوضع مؤقت والضم القانوني سيعزز وجودها في هذه المناطق الحيوية في مواجهة من يعارضون ذلك.

5-  الهدف من تطبيق السيادة الإسرائيلية هو توسيع الخارطة الإستيطانية وفي نفس الوقت يجعل من الصعب إخلاء يهود من منازلهم بالضفة الغربية. وضم مناطق سيشجع اسرائيليين على الإنتقال من السكن في المرتفعات المزدحمة والقطاع الساحلي إلى الضفة الغربية دون خشية من الإخلاء.

6-  إسرائيل على منعطف طرق وبحاجة إلى إبداء قوة وعزيمة ورغبة أيضا في النجاة من إحتمال يكون له تأثير ضار على أمنها على المدى القصير وتعزيزه على المدى البعيد.

الخاتمة:

هنالك العديد من المحددات التي قد تؤثر على تطبيق الضم خاصة على الشكل الذي سيتخذه سواء كان هذا الشكل محدود او على نطاق واسع، حيث تشمل هذه المحددات مدى الأضرار بنسيج الحياة الفلسطيني وبالسكان الإسرائيليين بالضفة الغربية ووتيرة وكثافة الأحداث التي ستؤثر بدورها على ديناميكية التصعيد الذي سيصعب السيطرة عليه. هناك تساؤلات اخرى إضافية على صلة بهذا الموضوع وهي هل يا تُرى سيظل الفلسطينيون يحتفظن بأفق الأمل بتحقيق التطلعات الوطنية بحل الدولتين ومن سيكون الرئيس القادم في البيت الأبيض.

عدا عن الإجابة عن هذه الأسئلة يميط فحص الآثار المتنوعة للضم على إسرائيل اللثام عن ميزان سلبي رئيسي. الضم لن يوفر لإسرائيل ميزة استراتيجية يكون من المناسب فيها المجازفة بهذه الأوضاع الأمنية والسياسية والإقتصادية الكثيفة وتطبيق القانون الإسرائيلي على أجزاء من الضفة الغربية لن يمنح إسرائيل أي ميزة أمنية في هذه الحالة السائدة التي تسيطر فيها على غور الأردن وتتمتع بحرية العمليات الأمنية في كافة أرجاء المنطقة والإنخراط في تعاون فعال مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

الواقع هو أن الضم سيزيد من وتيرة التهديد الإرهابي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا بدوره يتطلب من الجيش نقل الإهتمام بالحدود الشمالية وإيران إلى الجهود على الساحة الفلسطينية.

السلطة الفلسطينية على المدى البعيد لا تستطيع النجاة من تأثير الضم الذي سيشعل فتيل قلاقل شعبية واسعة النطاق، اضافة إلى أنه سيفكك وينهي دورها.

في هذه الحالة ستجد إسرائيل نفسها مسؤولة عن حياة 2.7 مليون فلسطيني في كثير من المجالات بما في ذلك القانون والنظام والامن والرفاه وغير ذلك. هذا كله سيترافق مع نشوء حالة من التأييد الشعبي في الشارع الفلسطيني لفكرة إنشاء دولة واحدة بين غور الأردن والبحر المتوسط كبديل عن فشل حل الدولتين. اضافة إلى العبء الأمني ستكون إسرائيل مكبلة بعبء الإقتصاد الفلسطيني دون مساعدة المجتمع الدولي الذي يساعد السلطة الفلسطينية منذ سنوات.

أضف إلى ذلك فإن هذه التطورات الإشكالية ستؤثر بشكل كبير على الطابع الديمقراطي والديمغرافي لدولة إسرائيل حيث أن ذلك يعني تسريع خطي الإنزلاق نحو واقع الدولة الواحدة وتقويض الرؤية السياسية بيهودية الدولة وديمقراطيتها وأمنها وأخلاقها ضمن حدود معترف بها وشرعية دولية.

لقد فقد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني خلال العقد المنصرم مركزيته في النظام الإقليمي والدولي وهذا يرجع في جانب منه إلى الإقرار بأن الرفضية الفلسطينية لعبت دوراً حاسماً في احباط أي تقدم نحو تسوية سياسية على روح دولتين لشعبين. وعلى ضوء ذلك كانت إسرائيل طليقة حرة في مواجهة التحدي الإستراتيجي الأكبر وهو النفوذ الإيراني المتوسع والتغلغل على الساحة الشمالية هذا في وقت أضحى فيه تطور العلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل والدولة العربية البرغماتية أمراً ممكناً وتشكيل جبهة موسعة ضد إيران وعليه فإن الضم يمكن ان يوقف هذه العملية المفيدة جداً.

 

 

2021-04-04 20:51:00