منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

مصالح إسرائيل في سوريا

مصالح إسرائيل في سوريا

 

ترجمة : زهير عكاشة

المصدر: مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية

التاريخ: 20/5/2013

الكاتب: إفرايم عنبار

 

من الخطأ أن يعبر الإسرائيليون عن تأييدهم لانتصار بشار الأسد في سوريا. على إسرائيل أن تظل بعيدة عن الصراع هناك وأن تتمنى في نفس الوقت سقوط الأسد. في نهاية الأمر سيكون وضع إسرائيل أفضل إذا ما أصبح هناك دولة فاشلة على حدودها من أن يكون هناك كيان قوي مدعوم إسرائيلياً.

كثير من الشخصيات الإسرائيلية البارزة عبرت عن رضاها لانتصار الأسد في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا وهذه وجهة نظر خاطئة لأسباب معنوية واستراتيجية.

أولاً: الوقوف إلى جانب ديكتاتور يذبح شعبه وحتى يستعمل الأسلحة الكيماوية في سبيل البقاء في السلطة لهو أمر مشين من الناحية الأخلاقية. من الناحية المعيارية لا يمكن أن تشكل الاستبدادية الوحشية لبشار الأسد تفضيلاً مقبولاً لدولة ديمقراطية كإسرائيل حتى لو كان البديل عن الأسد أكثر إغراءً (المعارضة السورية تتضمن عناصر سنية متطرفة كالقاعدة لا تبدي أي حساسية نحو حقوق الإنسان) هناك في العالم الحقيقي أحياناً ما يكون حاجة ماسة لتحمل الديكتاتورية لعدة أسباب بيد أن الدعم الصريح لها يحير من الناحية الأخلاقية.

ثانياً: التصريحات الإسرائيلية التي تفضل طرف على طرف في الصراعات الداخلية التي تدور رحاها في الكيانات العربية لهي خير وشر في نفس الوقت. ليس هناك في العالم العربي من يريد أن يلطخ سمعته بالعلاقة بالدولة الصهيونية اليهودية وفي الوقت الذي تكون فيه العلاقات مع إسرائيل مفيدة نوعاً ما فإن التقارب الصريح مع إسرائيل له تأثير غير مرغوب فيه. لذلك وحتى لو كان لإسرائيل ما تفضله لابد أن يغلق الساسة الإسرائيليين أفواههم.

ثالثاً: ما يقال عن أن إسرائيل تستطيع هندسة نتيجة سياسية ضرورية وسط جيرانها الجامحين ينم عن جهل تاريخي ثقافي لا يصدق.

لقد حكمت بريطانيا العظمى وفرنسا الشرق الأوسط طيلة عقود من الزمن ولم تكونا ناجحتين في تغيير نمط إدارة "الأصليين" لشؤونهم. في عام 1982 أغريت إسرائيل على إنشاء نظام سياسي جديد في لبنان بيد أن ذلك فشل فشلاً ذريعاً وهناك أنماط حديثة من الفشل في القرن الحادي والعشرين تمثلت في فشل الجهود الأمريكية لإنشاء عراق وأفغانستان جديدين على هواها. التغيير في هذه البقعة من العالم لا يأتي إلا من الداخل وعن طريق الزعامات الداخلية. ولكن ولسوء الحظ الشرق الأوسط لا ينجب إلا طغاه من أرذل الماركات مثل صدام حسين وسلالة الأسد وليس قيادات عظيمة المنطقة بحاجة ماسة إليها للهروب من الظلامية والفقر والظلم مع أن هناك استثناء مشرف وهو كمال أتاتورك الذي بدأت انجازاته تتآكل بفعل تصرفات قيادة حزب العدالة والتنمية في تركيا.

رابعاً: والأهم وهو أن دعم الأسد يعكس فهماً مائعاً للواقع الاستراتيجي الإقليمي. فسوريا في ظل حكم الأسد هي الحليف الأكثر استقراراً بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران في الشرق الأوسط. تعد إيران التحدي الاستراتيجي الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي بسبب مساعيها الدؤوبة لحيازة الأسلحة النووية. بقاء الأسد هو بقاء المصالح الإيرانية من أجل تعزيز الهلال الشيعي من الخليج إلى المتوسط  وهذا يفسر بالضبط سبب إقدام إيران على استخدام نفوذها في العراق ولبنان وإرسال مقاتلين شيعة لدعم نظام الحكم العلوي في سوريا. إيران هي العدو اللدود لإسرائيل وبالتالي فإن أضعافها يشكل أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الإسرائيلية.

سقوط الأسد ضربة قاصمة لطموحات إيران للهيمنة على الشرق الأوسط ومن مصلحة إسرائيل طي النفوذ الإيراني في المنطقة.

إن وسم أسرة الأسد بالاعتدال لأنها حافظت على هدوء جبهة الجولان لهو من باب التضليل لأن سوريا طيلة هذه السنين لم تتردد في استنزاف إسرائيل من خلال وكلاءها في لبنان حزب الله والفصائل الفلسطينية الراديكالية فضلاً عن أن الأسد "المعتدل" حاول تطوير الخيار النووي بمساعدة كوريا الشمالية وإيران ولو ظل في السلطة فسيحاول ذلك من جديد. دعم إسرائيل لنظام الأسد سيزج إسرائيل في خلافات مع كثير من السنة في العالم العربي وظهور هذه الصورة في الوقت الراهن ليس بالأمر الحكيم. بغض النظر عن المواقف الرسمية التي تبديها الدول السنية تجاه إسرائيل ستظل حليفة لإسرائيل خصوصاً في منع إيران من المضي قدماً في حيازة الأسلحة النووية والوقوف إلى جانب الأسد سيقوض التعاون في هذا المسعى. الممر السعودي لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ليس بالسيناريو البعيد الاحتمال إذا ما قررت إسرائيل التصرف بذكاء في الشرق الأوسط.

أخيراً الخيار المفضل بوجود دول قوية وليست فاشلة على حدود إسرائيل كون من السهل ردعها لا يشكل بالضرورة حكماً عملياً مبنياً على التجربة. عدم الاستقرار في سوريا إذا ما انتصرت المعارضة أكثر خطورة من بقاء نظام الأسد. على الرغم من ذلك وجود سوريا مستقرة يمكن أن يتحول إلى دولة مارقة على غرار كوريا الشمالية والتاريخ علمنا أن الدول لا تتصرف دائماً بعقلانية وعلى نحو مسؤول. المنطق يقول أن للدول قدرات أعظم من قدرات الدول التي هي على شكل منظمات لإلحاق الأذى بجيرانها. الدول القوية هي التي تستطيع تطوير برامج صواريخ طويلة المدى أو أسلحة نووية. فعلى سبيل المثال نظام الحكم السلفي المتشدد في مصر أكثر خطورة من نظام حكم يعاني من مشاكل بسط سيادته على أراضيه. على إسرائيل أن لا تخشى الفوضى القائمة عند جيرانها لأنها تضعفهم وأهم نتيجة تمخضت عنها الثورات العربية في السنوات الأخيرة تتمثل في إضعاف الدول العربية والذي ساهم في زيادة حدة الفارق في ميزان القوى بين إسرائيل وجيرانها على دول صغيرة مثل إسرائيل أن تتعامل مع دول في الشرق الأوسط بتواضع. لا تستطيع القدس أن تختار جيرانها وحكامها إنما تستطيع تقليل حجم القدرة على المس بها لذلك مصالح إسرائيل واضحة جلية: تبتعد عن الصراع الداخلي الدائر في سوريا ونفس الوقت تدمير أي قدرات للعدو يعتقد أنها تستطيع أن تمس بأمن إسرائيل.

2014-03-16 15:31:00