منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

الاقتصاد الفلسطيني بعد عشرين عاما من اتفاق أوسلو

لقاؤنا التاسع في دورة التقيف السياسي الأولى لعام 2014م حول القضية الفلسطينية بعنوان : "الاقتصاد الفلسطيني بعد عشرين عاما من اتفاق أوسلو"

تلك عشرون عاما مضت على توقيع اتفاق أثار من الخلاف والاختلاف أكثر مما جلب من الوفاق والاتفاق. كيف لا، وهو يتعلق بالقضية الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني، مشروع الاستقلال والدولة الفلسطينية. لقد قيل الكثير نقدا وقدحا في اتفاق اوسلو، وبعد عشرين عاما، ومن واقع سياسي واقتصادي لا نحسد عليه، ليس من المستغرب، اذا انطلقنا من هذا الواقع تقييما وتمحيصا، أن نثير الكثير من الشك والريبة والتساؤلات حول طبيعة هذا الاتفاق وما ترتب عليه من تداعيات. 
مهما تحدثنا عن ايجابيات الاتفاق، فان تكلفة انجازها كانت عالية جدا سياسيا واقتصاديا. بمعنى أن القيود السياسية والاقتصادية على السلطة وتحركاتها وصلاحياتها، والقضايا التي تم تأجيلها والشروط والالتزامات المطلوبة من السلطة، كل ذلك إذا قورن بالنتائج والواقع الماثل أمام السلطة والشعب الفلسطيني، يؤكد تواضع الانجازات مقارنة بما فقدته المنظمة من مكانة، وما وصل إليه المشروع الوطني من ضعف وهوان.
أوسلو وباريس الاقتصادي:
• لقد تضمن اتفاق أوسلو العديد من الاتفاقيات، لعل أهمها وأكثرها خطورة هو اتفاق باريس الاقتصادي الذي ينظم الشئون الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل. حيث تضمن هذا الاتفاق بنودا خطيرة كان من المتوقع أن تفضي إلى استمرار وتعزيز الهيمنة والسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني. وبما أن الاتفاق يأتي في سياق عملية تسوية سلمية، وانه افترض في بنوده وصياغته وجود طرفين متساويين في الإمكانات والقدرات التفاوضية، فقد أصبحت إسرائيل في منهجية التعامل الفلسطينية طرفا وليس عدوا، بحكم الالتزامات الجديدة، كما أسلفنا. وترتب على ذلك أن رد الفعل الفلسطيني تأثر دوما بهذه المنهجية، رغم أن إسرائيل استمرت في التعامل بمنهجية مضادة لم تتأثر غالبا بأجواء التسوية السلمية، هي منهجية الاستعمار والحصار الشامل للسلطة والاقتصاد الفلسطيني، الذي يشمل الإغلاق المتكرر والمستمر للمعابر ( بحكم أنها تحت السيطرة الإسرائيلية وفقا لأوسلو)، والحواجز ، وحجز إيرادات المقاصة، وبناء جدار الفصل العنصري، والعدوان العسكري المتكرر وما يترتب عليه من تدمير للبنى التحتية والمرافق الاقتصادية، وتعطيل تنفيذ بنود متعددة من اتفاق باريس، والالتفاف على ما يطبق وتفريغه من محتواه ليصب في المصلحة الإسرائيلية، ...الخ).
• بناء على اتفاق باريس، وطريقة تطبيقه، فقد استمرت حالة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، بل وتم مأسسة هذه العلاقة وبآليات جديدة ، أفضت إلى ضعف قدرة السلطة على صياغة سياسات تنموية فاعلة وملائمة لانجاز الأهداف التنموية المطلوبة، وقد جاء ذلك نتيجة عدم سيطرة السلطة على الأدوات اللازمة لصياغة هذه السياسيات وتنفيذها. فقد فرض اتفاق باريس التعامل بالنظام الجمركي الإسرائيلي وحدد العلاقات الاقتصادية الفلسطينية مع دول العالم، ومنع إصدار عملة وطنية، وأعطى صلاحيات لإسرائيل للتدخل والتحكم في طبيعة المشاريع وتمويلها.
• نتيجة لذلك ، وبعد تسعة عشر عاما من التحكم والسيطرة انطلاقا من أوسلو واتفاقياته، تعزز الضعف الاقتصادي والارتهان السياسي، وأصبح الاختلال الهيكلي والتشوه في البنى والقطاعات الاقتصادية أكثر حدة وعمقا. لقد تآكلت قدرة القطاعات الإنتاجية وتراجع دورها في الناتج المحلي وتوليد فرص العمل، وانعكس ذلك على سوق العمل حيث زادت الفجوة بين الطلب والعرض، وما رافق ذلك من ارتفاع معدلات البطالة وتآكل الأجور الحقيقية وتدني مستويات الإنتاجية. لقد بات الاقتصاد الفلسطيني أكثر اعتمادا على المساعدات الخارجية، في ظل عجز مستمر ومتزايد للموازنة العامة وللميزان التجاري. وضعف قدرة القطاع الخاص على الاستثمار في ظل هذه المعوقات والقيود الإسرائيلية، وفي ظل أجواء غير مستقرة وغير آمنة وتعاني من الحصار المستمر.
• لقد قامت إسرائيل بهذه الممارسات التي أطلقنا عليها مجتمعة ( منهجية الحصار الشامل) كدولة مستعمرة، بوعي وإصرار، ولم تكن رد فعل على حدث هنا أو هناك، وإنما استهدفت منع انجاز عملية تنموية حقيقة تؤدي إلى تطور الاقتصاد الفلسطيني ليصل بمؤسساته وعلاقاته وبناه المختلفة إلى اقتصاد دولة مستقلة وذات سيادة. في هذا الإطار استطاعت إسرائيل أن تؤثر في توجيه المساعدات لتركز على الإغاثة والاحتياج وليس على التنمية ومقاومة هذه السيطرة والهيمنة الاستعمارية ومحاولة التخلص من إسار التبعية وقيودها. بل وسارعت إلى تدمير ما تم انجازه ليشكل أحد معالم القوة والسيادة مثل مطار غزة، ومعظم الإنشاءات والبنى التحتية المتعلقة بمؤسسات السلطة، إضافة إلى تعطيل إنشاء الميناء.
• الأخطر من ذلك، أن الدول المانحة والبنك الدولي الذي يمثل سكرتاريا الدول المانحة، استجابت بطريقة أو بأخرى للرغبة الإسرائيلية، حيث تم توجيه الاقتصاد الفلسطيني ليصبح تابعا ومعتمدا على المساعدات الخارجية، التي اتخذت طابعا اغاثيا أو لتمويل عجز الموازنة بعيدا عن أية توجهات تنموية حقيقة التي من الممكن أن تؤسس لاقتصاد قوي معتمدا على الذات يتمتع بمعدلات نمو عاليه ومستدامة. وهو غاية لا تدرك إلا بالتخلص من قيود الاتفاقيات المجحفة والممارسات الاستعمارية لإسرائيل. وهو مطلب كافة الإطراف الفاعلة في عملية التنمية في الأراضي الفلسطينية، فهل تحاول السلطة الوطنية الفلسطينية وبالمشاركة مع هذه الأطراف والقوى الفلسطينية التأسيس لمرحلة جديدة لإعادة النظر في آليات الوصول لانجاز المشروع الوطني 

الفلسطيني، بالتحرر الكامل وإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة

2014-03-20 19:39:00