منظمة التحرير الفلسطينية
دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني

ظاهرة العنف الأُسري في المجتمع الفلسطيني

ظاهرة العنف الأُسري في المجتمع الفلسطيني

أ.غادة حجازي

مقدمة:

عَرِفَ المجتمع الإنساني العنف الأُسري منذ قتل قابيل أخاه هابيل، تلك الظاهرة التي تمتد جذورها في كل الأمم والثقافات فهو قديم قدم الأزل تعددت وتنوعت أنواعه وأشكاله فأصبح منه العنف السياسي، والعنف الأُسري الذي يتمثل في العنف ضد المرأة، والعنف ضد الطفل، والعنف ضد كبار السن والعنف ضد الأخوة....الخ.

برزت ظاهرة العنف الأُسري نتيجة لضغوط الحياة العصرية المتمثلة في الضغوط النفسية الناتجة عن حياة العصر.

إن العنف الأسري أحد الأنماط السلوكية المكتسبة يتعلمه الفرد خلال أطوار تنشئته الاجتماعية، وهو أحد صور السلوك العدواني الذي ينتج عن وجود علاقات قوة غير متكافئة في داخل الأسرة من تحديد لأدوار كل من المرأة والرجل وتحديد مكانة كل فرد من أفراد الأسرة وفقاً لما يمليه عليه النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد بالمجتمع.

إن ظاهرة العنف الأُسري من الظواهر المجتمعية التي تؤثر على مختلف النواحي في المجتمعات العربية عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة، فهي تحد من فرص تطور وتقدم المجتمعات تجاه قضايا التنمية خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان وقضايا الفقر والبطالة.

فالعنف عندما يصبح جزءاً من ثقافة المجتمع سيؤدي بالطبع لتوقف نموه وازدهاره بعكس ثقافة التسامح، والولاء، والمحبة التي تعمل على تطويره ونمائه.

لعل غياب القانون في المجتمع الفلسطيني أدى لشللٍ للمؤسسات القضائية التي تحمي المواطنين ومؤسساتهم. كذلك الصراعات السياسية بين الفصائل والأحزاب الفلسطينية تعتبر عاملاً قوياً أدى لزيادة حدة العنف بكافة أشكاله وأنواعه. أيضا وجود الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، واعتداءاته العنيفة تجاه أبناء الشعب الفلسطيني من قتلٍ، واعتقالٍ، وقصفٍ، وتدميرٍ للمباني وتجريفٍ للأراضي، وحروب دائمة ومستمرة، أثر ذلك بالسلب على ازدياد حدة العنف الأُسري لدى الأُسر الفلسطينية خاصة النساء والأطفال، فهم أكثر الفئات تضرراً من الناحية النفسية.

كما يُعتبر الموروث الثقافي لدى أبناء المجتمع الفلسطيني من ثقافةٍ ذكوريةٍ مسيطرة عليه، تتمثل في العادات والتقاليد، سبباً في انتشار العنف الأُسري الموجه للفتاه إن كانت زوجة أو ابنة، إضافة لارتفاع نسبة البطالة وعدم مقدرة رب الأسرة بالإيفاء باحتياجات أسرته سبب ارتفاع نسبة العنف الأُسري نتيجة الحصار المفروض على المجتمع الفلسطيني الذي أدى لسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي انعكست بالسلب وكانت نتائجه ارتفاع معدل حالات الطلاق وازدياد حالات الزواج المبكر، وازدياد حالات قتل النساء بحجة شرف العائلة وظهور حالات انتحار لدى الفتيات صغيرات السن وهي بادرة خطيرة بالمجتمع وإن كانت بنسب  بسيطة، كما ازدادت حالات العنف الموجه للطفل من ضرب وتعذيب وشتم وإهمال أدى لارتفاع نسبة رسوب الطلبة وارتفاع معدل التسرب الدراسي بالمجتمع الفلسطيني في السنوات الأخيرة.

إن قضية العنف الأُسري في المجتمع الفلسطيني لم تَحظَ بأهمية كافية لدى صناع القرار فمن خلال الدراسات والتقارير التي رصدت تلك الظاهرة فهي في عملية تزايد مستمر بسبب ضعف آليات التدخل وعجزها عن وضع حدّ لهذه الظاهرة.

لقد كُثفت الجهود من قِبل المجتمع الدولي للتصدي لظاهرة العنف بشكل عام، والعنف الأسري بشكل خاص تمثل ذلك في اتفاقية سيداو (CDAW) لمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. وتلك الاتفاقيات صادق عليهما السيد الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ومازال تطبيقها يواجه الكثير من العثرات، بسبب خصوصية الوضع في المجتمع الفلسطيني.

مفهوم العنف الأسري :

عرّف ابن منظور في معجم لسان العرب، العنف بأنه "الْخَرقُ بالأمر، وقلة الرفق به، ًوَأَعنَفَ الشيء أخذه بشدة، والتعنيف هو التوبيخ، والتقريع، واللوم"(1).

يُعرّف العنف في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي وضعته الأمم المتحدة سنة 1993م، بأنه أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس (ذكر/أنثى) ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو نفسية للمرأة.

كما يعرف Domestic violence العنف الأُسري بأنه تضرر الشخص من قبل شخص تربطه به علاقات حميمة أو علاقات زوجية.

يرى أصحاب نظرية الصراع أن العنف الذي يحدث في المجتمع هو ميراث للظلم التاريخي ومعاناة للفئات الضعيفة في المجتمع. كما يرون أن العنف ما هو إلا وسيلة قوية في الحرب بين الجنسين ومشكلات التمييز التي سيطرت على العقول(2).

يشير د. نبيل راغب إلى أن "العنف الأُسري يرجع لرواسبٍ اجتماعيةٍ وسيكولوجيةٍ وثقافيةٍ موجودة سواء بين الوالدين، أو الأبناء، أو الأخوة، أو الزوجين وهذه الرواسب تتراكم لتشكل تراث متوارث لتنفجر بعد ذلك في شكل يصعب التنبؤ بها"(3).

وَيُعَرَف أيضاً بأنه ممارسة للقوة البدنية لإنزال الأذى بالأشخاص أو الممتلكات، وهو المعاملة التي تُحدث ضرراً جسمانياً وكذلك هو التدخل في الحرية الشخصية للأفراد(4).

كما ترى غادة شديد بأن العنف الأسري هو كل استخدام للقوة بطرقٍ غير شرعيةٍ من قبل شخص بالغ في العائلة ضد أفراد آخرين من نفس العائلة وهذه الأشكال تنتشر في المجتمع الفلسطيني خاصة بين النساء والأطفال باعتبارهم الفئات الهشة في المجتمع"(5)

أنواع العنف الأُسري:

اتسعت ظاهرة العنف الأُسري في المجتمع الفلسطيني نتيجة الظروف السيئة التي فرضها الاحتلال الصهيوني، حيث أساليب القهر النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأصبحت هذه الظاهرة تشكل تهديداً خطيراً على الأجيال القادمة، وهو يتطلب مسؤولية تقع على عاتق صناع القرار والسياسيين والمفكرين والعلماء ورجال الدين ووسائل الإعلام، للمساهمة الجادة في توعية وتوجيه الناس للحد من أشكال العنف من أجل بناء جيل صاعد قادر على العطاء ويتمتع بدرجة عالية من التوافق والصحة النفسية.

يعد العنف أحد المشكلات الخطيرة التي تعاني منها الأسرة التي أصبحت تتسم بالتناقض الظاهري، وذلك لأن العنف أصبح أمراً شائعاً داخل تلك الجماعة الاجتماعية التي من المفترض أن تكون مبنية على الحب والمودة والتراحم.

تتعدد أنواع العنف على النحو التالي:

- العنف الواقع على الزوجة.

- العنف الواقع على الأطفال.

- العنف الواقع على الزوج.

- العنف الواقع بين الأخوة.

- العنف الواقع على كبار السن.

العنف الأسري تتعدد أشكاله فقد يكون جسدياً وقد يكون معنوياً، العنف الجسدي باستخدام آلة حادة أو الأيدي أو أي أداة أخرى...الخ. أما المعنوي يكون بالشتم و الاهانة بالتوبيخ ....الخ.

وفي مجتمعنا الفلسطيني يعتبر الضرب سواء للزوجة أو لأفراد العائلة في الأسرة سلوك مقبول ثقافياً، فالعادات والتقاليد والقيم الموروثة لا يمكن التخلي عنها، فهي تتمثل في التفريق بين الذكور والإناث في عملية التنشئة والمعاملة في بعض الأسر الفلسطينية سواء في المدن، أو القرى، أو المخيمات. فتفضيل إنجاب الذكور على الإناث مرتبط بعوامل كثيرة مرتبطة بالعادات الفلسطينية خاصة سيادة مفهوم القوة الأساسية للأعمال الزراعية والنظر للإناث على أنهنّ مصدر تشتت للملكية من خلال نظام المواريث الإسلامي وحقها في الإرث، كما أنّ بعض الأُسر الفلسطينية تميل لتفضيل تعليم الذكور وعدم السماح للإناث بمواصلة تعليمهن بعد الثانوية العامة خاصة في المناطق المهمشة وفي القرى على اعتبار أن الذكور هم مصدر رزق للأسرة الفلسطينية.

يرى د.محمد عيد، أن إنسانية الإنسان لا تتحقق بغير أسرة، وتربية وتطبيق اجتماعي، فعن طريقهم تتفجر إمكانات الإنسان وقدراته ومواهبه، ويستطيع أن يعي ذاته، وأن يبحث لنفسه عن هوية وعن موقع في صميم العالم(6).

أين نحن من هذا عندما يُضرب الأطفال والنساء ضرباً مبرحاً؟ إن مشكلة ضرب الزوجات تدخل في إطار العقاب الزوجي، لذا لم ينل الاهتمام الكافي لأن كل من الأزواج والزوجات يرون أن هذا النوع من العنف مقبول ثقافياً، كما أن إظهار القوة البدنية للرجل هي المصدر الرئيسي لإبقاء الجماعات التابعة في مكانها.

يتمثل سلوك العنف ضد المرأة في الصفع على الوجه أو الدفع أو الضرب أو التهديد بالقتل. كذلك العنف الأسري ضد الأطفال سواء جسدياً، أو نفسياً، فإيذاء الطفل بشكل مقصود يعتبر تعنيفاً للطفل سواء بضربه باليد أو باستخدام أداة أو سبه وشتمه وتوبيخه وإهماله. كذلك العنف الأُسري الموجه لكبار السن (الوالدين) سواء بإهمالهم، وضربهم وعدم الاستماع لهم وعدم رعايتهم الصحية ومنعهم من الذهاب للطبيب وتقديم العلاج لهم...الخ. كما يعتبر العنف الجنسي الذي يتمثل في حالات الاغتصاب الزوجي أي إكراه الزوجة على المعاشرة الزوجية دون رغبتها، وحالات زنا المحارم أو ارتكاب الفحشاء بهم من أنواع العنف، إلى جانب التعرض للأطفال والتحرش بهم جنسياً من قبل الوالدين أو الأخوة الكبار بسبب صغرهم وسذاجتهم... ليس هذا فحسب بل يعتبر أيضا العنف اللفظي الشديد يزيد من احتمالات العنف الجسدي والعكس صحيح.

ما زالت النساء اللواتي سبق لهن الزواج الأكثر تعرضاً للعنف الأسري بأنواعه في فلسطين حيث تبلغ نسبته في قطاع غزة (51%) مقابل(29.9%) في الضفة الغربية. فجميع أنواع العنف منتشرة في المجتمع الفلسطيني ويعتبر العنف الجسدي الأكثر ممارسة ضد أفراد العائلة حيث بلغت نسبته(22.2%) في الضفة الغربية،(43.8%) في قطاع غزة. تتقارب النسب بين الجنسين فيما يتعلق بالعنف الجسدي والجنسي ويزيد العنف الاقتصادي ضد الذكور وبالمقابل يزيد العنف النفسي ضد الإناث عن الذكور وهذا يعكس التوقعات المجتمعية من الذكور لقيامهم بدور رب الأسرة الذي تقع عليه مسؤولية توفير لقمة العيش.(7)

أسباب العنف الأُسري ودوافعه:

العنف الأُسري مشكلة اجتماعية وأخلاقية تؤثر بالمجتمع وتتأثر به، من هنا كان الحرص من جانب المؤسسات المجتمعية على الاهتمام بالعنف الأُسري ودراسة أسبابه والوقائع المؤدية له وسبل الوقاية منه. فالعنف الأُسري في المجتمعات العربية يختلف عنه في المجتمعات الغربية، ويرجع ذلك لاختلاف التربية والتنشئة المتعلقة بالدين والمجتمع. بالرغم من سرعة انتشار ظاهرة العنف الأُسري في المجتمع الفلسطيني إلا أن الاهتمام بها لا يعد كافياً من قبل المسؤولين وصناع القرار ورجال الدين.

الأسباب تتمثل في التالي:

أولا: الأسباب السياسية:

أدت سياسة المحتل الصهيوني القائمة على الظلم والاستبداد والقهر والقمع إلى ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة ناجمة عن القتل والأسر والتعذيب والحروب والهدم والإبعاد إلى جانب معاناة أبناء الشعب الفلسطيني من الانقسام البغيض بين أبنائه، فيؤثر هذا على سلوكيات الكثير من الأشخاص في تعاملهم مع أفراد أسرهم، سواء على المحيط الشخصي أو الخارجي فيؤثر في حياتهم سواء الخاصة أو العامة. فشعور الأفراد بالظلم سواء من المحتل أو من أبناء الشعب يؤدي لحدوث الكثير من الصدمات النفسية نتيجة لأحداث الاعتقال السياسي والتعذيب، ينتج عن هذا أثراً سيئاً في حياة الأفراد على جميع المستويات الحياتية سواء النفسية أو الاجتماعية أو الأكاديمية، فيؤدي لاضطراباتٍ نفسيةٍ تتمثل في الخوف والقلق والاكتئاب والإحباط والتفكير في الانتحار لدى بعض الحالات ذات الإيمان الضعيف والنفوس المريضة.

ثانياً الأسباب الاقتصادية:

يعتبر العنف الأسري الذي يمارس على أفراد الأسرة كرد فعل طبيعي لسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها ربُّ العائلة الذي لا يستطيع الإيفاء بمتطلبات أسرته وتوفير احتياجاتهم، فنجده يستخدم العنف وسيلة لتفريغ شحنة الغضب والخيبة بسبب الفقر والبطالة أو حتى تدني الراتب الوظيفي الذي لا يغطي احتياجات أسرته نظراً لكثرة عددهم. وقد يكون ضيق مساحة المنزل سبباً في نشوء العنف لدى الكثير من الأسر الفلسطينية، فمعظم الأسر في المجتمع الفلسطيني أُسر نووية ممتدة.

ومن أصعب صور العنف الموجه من الوالدين للأبناء هو قتل الوالد لولده بسبب الفقر، والذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه فقال " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم"(8)

 

ثالثاً: الأسباب الثقافية:

يؤثر الإعلام ومشاهدة المسلسلات والأفلام (الأكشن) على تعزيز العنف في نفسية الطفل والشاب والوالدين. فالكثير من أفلام الكرتون المشاهدة من قبل الأطفال تدفع للعنف، إلى جانب مشاهدة المصارعة لدى الصغار والكبار أيضا تدفع للعنف، وكم من القصص المأساوية التي تحدث في مجتمعنا العربي عامة والفلسطيني خاصة بسبب هذه المشاهد كقيام أطفال بشنق أنفسهم أو الإلقاء بأنفسهم من البلكونات لتقليد مشهد شاهده بالتليفزيون أو بألعاب (البلاي ستيشن) خاصة الألعاب الحربية، وأكثر المتأثرين بها هم فئة المراهقين خاصةً عند مشاهدتهم لأفلام تَحُث على القتل أو الاغتصاب نتيجة لمشاهدة مشاهد سيئة عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة كالتليفزيون والانترنت وغيرها.

كما أن البعد عن القيم والأخلاق وعدم مراقبة الأهالي لأبنائهم يدفع لارتكاب سلوك العنف. إلى جانب اختلاف القيم من جيل لآخر بين المحافظ والمتحرر(صراع الأجيال) يؤدي للتمرد من قبل الأبناء على آبائهم فيدفع لممارسة العنف ضد الأبناء.

إن لوسائل الإعلام دوراً سيئاً بل سلبياً تجاه ظاهرة العنف الأسري الذي يؤثر سلباً على سلوكيات الأطفال ويؤثر على شخصيتهم، حيث  سلوكيات العدوان التي تتمثل في السب والشتم والضرب ... ويتطور السلوك العدواني مع الزمن ليتحول الشخص لمجرم يقتل ويسرق ويغتصب ويدمن على المخدرات وغيرها من مظاهر العنف المستشرية في هذا العصر.

يؤكد د.أحمد حماد على دور الإعلام الفعال في تأثيره على الأفراد والجماهير الفلسطينية فعلى الجميع أن يعووا دور الإعلام في التأثير على سلوك الأفراد لأنه أصبح عناك نوع من الحقد والكراهية نتيجة لتأثير وخطورة الإعلام الحزبي لذا يجب على وسائل الإعلام كافةً كسر حاجز الصمت.

كذلك ترى د.أمنة زقوت أن سمات العنف واضحة على المجتمع الفلسطيني                  لأنه يعيش ثقافة المقهور وبدأت تظهر عليه صفات وسلوكيات على الأفراد تتسم بالعنف وتمارس في مجتمعنا .فثقافة المحبة والتسامح والرحمة قد ضاعت في عباءة العولمة والماديات فضار العنف القيمي والسلوكي يمارسان بشكل واصح في الشوارع والمنازل.

رابعاً: الأسباب الاجتماعية:

إن الإهمال والتفرقة في المعاملة والتمييز بين الأبناء، وتشجيع الطفل على سلوك العنف يؤدي للعنف الأسري. كذلك المشاكل الأسرية بين الزوجين وفقدان الحنان والعطف نتيجة انفصال الوالدين يؤدي ذلك لعدة مشاكل سلوكية، تتمثل في العنف الذي يتولد لدى الأبناء، إلى جانب ثقافة التمييز بين الذكور والإناث، والسماح لهم من ممارسة العنف على غيرهم، حرمان الكثير من الإناث من حقوقهن المتمثلة في التعليم والعمل والزواج ينتج عن هذه السلوكيات حدوث حالات الاكتئاب وضعف الثقة بالنفس وضعف التحصيل الدراسي، انخفاض مستوى الذكاء، زيادة حالات الانتحار التي أصبحت ظاهرة في مجتمعنا الفلسطيني في السنوات الأخيرة.

 إلى جانب هذه الأسباب تعتبر دوافع العنف الأسري كثيرة منها:

-       ضعف الوازع الديني يدفع لممارسة العنف الأسري سواء كان جسدياً أو نفسياً.

-       كره الأشخاص الآخرين يؤدي لارتكاب الجرائم كالقتل إلى جانب سلوك الغيرة والحسد يُؤدي للعنف.

-       الإدمان وتعاطي المخدرات دافعاً رئيسياً للعنف الأسري بشتى أشكاله.

-       تدني المستوى التعليمي والثقافي والفكري لدى الأفراد يدفع لسلوك العنف.

-   عدم التكافؤ بين الأزواج كفارق العمر واختلاف المستوى التعليمي يؤدي لحدوث مشكلات أسرية تدفع للعنف الأسري(9).

مما سبق يتضح أن العنف الأسري يؤدي لنشوء عقد نفسية وحالات مرضية وتفكك للروابط الأسرية، وضعف الثقة بالنفس وعدم الشعور بالأمان وعدم التوافق والتفاهم بين أفراد الأسرة. فالأمن النفسي يتحقق لدى أفراد الأسرة من خلال الشعور بالحب بين الآخرين فيشعر بالأمن والأمان.

فظاهرة العنف الأسري ليست بجديدة على المجتمع الفلسطيني، حيث زاد انتشارها لتعدد العوامل والضغوطات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، والثقافية التي تقف خلفها والمعاناة التي يعانيها المجتمع الفلسطيني، وكذلك بسبب عدم معالجة هذه الظاهرة بأسلوب علمي سليم، ولغياب الخدمات المعنية الكافية لوجودها.

لقد أشارت نتائج المسح الوطني حول العنف في المجتمع الفلسطيني إلى أنه خلال فترة الاثني عشر شهراً التي سبقت تموز (2011) أن حوالي (37%) من النساء  اللواتي سبق لهن الزواج تعرضن لأحد أشكال العنف من قبل أزواجهن. أما نسبة تعرض الأطفال للعنف الأسري فقد أشارت النتائج إلى أن (51%) من الأطفال تعرضوا للعنف داخل الأسرة من قبل أحد أفرادها. كما أشارت النتائج إلى أن (7.3%) من كبار السن الذين بلغوا  من العمر(65 عاماً فأكثر) قد تعرضوا لأحد أشكال العنف من قبل أحد أفراد الأسرة(10).

إن انخفاض الدخل وعدم إشباع الحاجات النفسية المادية وتوفير متطلبات الحياة الضرورية وشدة الفقر المدقع في المجتمع الفلسطيني، تعتبر مؤشراً خطيراً يؤدي لزيادة انتشار العنف الأُسري، ويؤكد ذلك نتائج دراسة مقارنة للصافي و مقداد (2009)، حول الخصائص الاجتماعية والأسرية والزوجية والتعليمية، والاقتصادية للأسرة في الأراضي الفلسطينية إلى أن (30%) من إجمالي الأسر الفلسطينية تعاني من الفقر خلال عام 2007م بواقع (19.1%) في الضفة الغربية، (51.8%) في قطاع غزة، والى أن نسبة الفقر في الضفة الغربية ارتفعت خلال عشر سنوات بنسبة (22.4%)، وفي قطاع غزة ارتفعت بنسبة (35.6%)(11).

العولمة والعنف الأسري:

لعبت العولمة دوراً مؤثراً في التفكك الاجتماعي في الحياة العربية بصورة عامة والتفكك الأسري بصورة خاصة، الذي غرس مفاهيم وقيم جديدة وسط الأسر العربية الأمر الذي خلق النزعة الذاتية والاستقلالية والحريات الشخصية وربط الوضع الاجتماعي بالرصيد الاقتصادي.

فالطاعة الأسرية سواء من جانب الزوجة أو الأبناء في المجتمع العربي ينظر لها على أساس أنها نوع من التفسخ الاجتماعي، الذي من شأنه أن يولد احتكاكات أسرية تؤدي إلى العنف الأسري.

إن العولمة بما رسخته من قيم، ومفاهيم جديدة تركز على حقوق المرأة، وحقوق الطفل أدت إلى التشويش على الكثير من الأفكار لدى بعض أفراد الأسرة. كما أنها ربما أثرت في الدعوة للخروج من طاعة الأسرة، والميل نحو الاستقلال للخروج من قيود الأسرة.

أصبح المُعنِفون في ظل العولمة أكثر قدرة على الحركة وأوفر حظاً في الوصول لأهدافهم الإجرامية، ومع نمو أسباب العولمة برزت ظواهر مستجدة مثل جرائم العنف، المخدرات، جرائم الحاسوب، جرائم الاتجار غير المشروع في الأسلحة، جرائم التلاعب الالكتروني في حسابات المؤسسات المالية، وغسيل الأموال.

إن عولمة المعلومات والحقائق المتصلة بجرائم العنف الأسري من خلال طرح للأبحاث والدراسات حول ظاهرة العنف الأسري والمرأة العربية على قواعد بيانات وشبكات الانترنت يسمح الآن للجميع الاطلاع على كثير من الحقائق، خاصة من خلال الاستبيانات المفتوحة التي تسمح لضحايا جرائم العنف الأسري والمهتمين بقضايا المرأة من تسجيل آرائهم وما أصابهم من ضرر و الحديث عن تجاربهم الشخصية بشكل مباشر، مثل:

- موقع مركز الإعلاميات العربيات.

- موقع المركز المصري لحقوق المرأة.

- موقع أمان الأردني.

- موقع هيئة الإذاعة البريطانية.

هذه المواقع تقود إلى عولمة العنف الأسري في حالته العربية.

إن لعولمة المعلومات المتصلة بالعنف الأسري في الدول العربية ايجابيات من شأنها أن تعالج وتحدث ظاهرة العنف الأسري. فلم تأت العولمة من فراغ بل كانت نتيجة لإسهام دول العالم في تأطير العولمة وتأسيسها في سياق الشرعية الدولية من خلال الدراسات والأبحاث واللقاءات العلمية، التي تعهدت بها معاهد ومراكز بحثية تعاونت مع الأمم المتحدة وتبلورت في شكل معاهدات واتفاقيات دولية اعتمدتها الأمم المتحدة وتعهدت الدول الأعضاء وفي مقدمتها العربية والإسلامية على العمل بها وهي:

-  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام1948 م.

-  اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1953م.

-  اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج المعتمد عام 1962م.

-  اتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة المعتمد من الأمم المتحدة عام 1957م.

-  اتفاقية بشأن حقوق الطفل المعتمدة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989م.

-  اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المعتمدة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979م.

-  إعلان حقوق الطفل الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1959م.

- إعلان حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974م.

لم تعلن الدول العربية تحفظها أو انسحابها من أية اتفاقية، وعليه يجب عليها العمل على مراعاة هذه الاتفاقيات والالتزام بنصوصها على المستويات الوطنية، خاصة الاجتماعية التي تهم الأسرة وتحميها من التفكك وسوء المعاملة، وحماية جميع أفرادها(12).

تبدو انعكاسات العولمة واضحة على المجتمع الفلسطيني حيث شهد المجتمع الفلسطيني مجموعة من التحديات التي أترث في جميع أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية تمثلت في زيادة الفقر وارتفاع نسبة البطالة وانحصر دور الحكومة في عملية الدعم الاقتصادي وتنمية الموارد بالمقابل تأخر عملية التنمية مما ساعد في ارتفاع معدلات الجريمة، وازدياد نزعات العنف، واتساع دائرة المخاطر التي تهدد أمن المجتمع فسادت ثقافة العنف كالاعتداء على الآخرين، وارتفاع معدلات الطلاق نتيجة المشاكل الأسرية، وزيادة حالات السرقة والجنوح..الخ.

الحلول المقترحة للحد من ظاهرة العنف الأسري بالمجتمع الفلسطيني:

1-   وضع خطة وطنية للتوعية بمشكلة العنف الأسري يشارك في صياغتها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، سواء الاجتماعية أو التعليمية والنفسية والعمالية والاقتصادية للحد من العنف الأسري.

2-       نشر الوعي الديني من خلال المدارس والمراكز والمؤسسات التي تعنى بالمرأة والطفل للوقاية من العنف.

3-   عقد ندوات توعوية للأسر الفلسطينية لكلا الجنسين نحو العنف الأسري ومخاطره على الأسرة خاصة والمجتمع عامة في جميع مؤسسات المجتمع المدني.

4-   على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أن تشارك في حملات الوقاية والتوعية المجتمعية، من خلال نشر المعلومات التي تعرف ضحايا العنف وترشدهم من خلال عرض قصص لحالات عنف حدثت في المجتمع الفلسطيني لأجل زيادة الوعي الأسري بنبذ العنف الأسري.

5-       توفير قاعدة بيانات خاصة بالعنف الأسري، وجرائمه ضد المرأة والطفل والأخوة وكبار السن.

6-   العمل على حل المشكلات والصعوبات التي تواجه الأسرة كالتفكك الأسري، والفقر وغيرها من المشاكل التي لها تأثيرها على حياة الأسرة وصحتها النفسية.

 

المراجع



(1) ابن منظور ، جمال الدين، 1993: لسان العرب، بيروت،ص232.

(2) Coleman, J.w. and Cressey D.R, -social problems, N.Y, harper and row, 1987,P17.

(3) راغب، نبيل، 2003: أخطر مشكلات الشباب، دار غريب، القاهرة.

(4) Wilson, L. (1970) The oxford Dictionary of English Proverbs, (3ed) )Oxford Univ.press.

(5)خلف أبواب موصدة العنف الأسري ظاهرة تجتاح المجتمع الفلسطيني،2008www.alquds.com

(6) عيد، محمد،  2005: مقدمة في الإرشاد النفسي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.

(7) الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني،2013: المرأة والرجل في فلسطين، قضايا وإحصاءات.

(8) القرآن الكريم، سورة الأنعام، أية 151.

(9) حسين، محمد، 2012: أسباب العنف الأسري ودوافعه، مؤتمر العنف الأسري من منظور إسلامي قانوني-جامعة النجاح الوطنية، نابلس.

(10) الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني،2011: النتائج الأولية للمسح الوطني حول العنف في المجتمع الفلسطيني.

(11) وتد، صلاح الدين، بدير، بدران: العنف الأسري وعلاقته بالمستوى الاقتصادي والدراسي لدى أهالي طلبة المدارس الثانوية في محافظة بيت لحم، مجلة جامعة النجاح للأبحاث( العلوم الإنسانية)، مج 27، ع7، 2013، ص1423.

(12) عبد المحمود، عباس، البشري، محمد ،2005: العنف الأسري في ظل العولمة، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.

2014-03-20 22:14:00